في "الفنّ السّابع" حين يستعدّ الجميع لمرحلة التّصوير، بعدما يحضر المُخرج، وكذلك المُمثّلون -الأَساسيّون منهم كما و"الكومبارس"- نكون أَمام صورةٍ أَوضح لنهائيّة للعمل الفنيّ، بعد كتابة "السّيناريو"، وعُبور كُلّ مراحل التّحضير... وصولًا إِلى مرحلة التّصوير، ولفظ عبارة: "سُكوت حَنْصَوِّر"...

هكذا تبدو المشهديّة السّياسيّة في لُبنان اليوم، في ظُلّ "التراجيديا" الطّويلة والمُتواصلة، مع كُلّ مراحل "درب الصّليب" المُجتازة مرارًا وتكرارًا، حتّى قبل "أَحد الشّعانين"، وخلافًا لـ"ليتورجيّة الكنسيّة" الّتي يَكون فيها "أَحد الشّعانين" قبل "أُسبوع الآلام"... بينما نعيش نحن في لُبنان، الآلام الجسام المُميتة... قبل "أَحد الشّعانين"، فهل يلتقي هذه المرّة الزّمنان الكنسيّ والوطنيّ في "أَحد القيامة"؟.

لقد عاشَ ​لبنان​ حتّى الآن، كُلّ أَنواع الآلام، وعايشَ كُلّ ما يُميت في الإِنسان ليس الجسد وحده، بل والرُّوح أَيضًا، وكذلك تعايشَ مع ما يُفقِد الأَمل ويُدخل المرء في دوّامة اليأْس القاتل...

وبالعودة إِلى "الفيلم السّياسيّ الطّويل"، والأَحداث الأَمنيّة والاقتصاديّة–المعيشيّة، والسّياسيّة المُتردّية... يبدو أَنّ عمل المحرّكات للولوج إِلى نهايةٍ بأَقلّ ضررٍ مُمكن بعد هَوْل الأَحداث، انقسم إِلى ثلاثة أَنواعٍ: نوعٌ يصحّ فيه القول "حركة بلا بركة"، ونوعٌ كان يعمل بخَفَرٍ مُلتزمًا الصّمت والبُعد قدر الإِمكان عن الأَضواء، ونوعٌ ثالثٌ كان خفيًّا عن الإِعلام بالكامل. لذا فقد لحظ النّاس النّوعَين الأَوّلَين، ونالا –نسبيًّا- حصّتهُما في الإِعلام... وأَمّا النّوع الثّالث، فسيُعلَن عنه في مرحلة "السُّكوت حَنْصَوِّر"، أَو قد لا يُعلن، وقد لا يُضاءُ على المساعي الّتي بُذلت الآن، وإِنّما تتجلّى مفاعيلُها مِن خلال تصوير "المشهد الأَخير".

وفي هذا الإطار يأتي الدّور الّذي أَدّاه رئيس الجمهوريّة العماد ​ميشال عون​، والّذي يُستدلّ عليه أَيضًا عبر عبر النّهج المُتّبع في التّعامل مع الأَزمات المُتلاحقة، وبخاصّةٍ بعد تقديم رئيس الحكومة حسّان دياب استقالته وحتّى اليوم. لقد آثرت رئاسة الجمهوريّة عدم الدُّخول في سجالاتٍ عقيمةٍ، كما ولم تنفع معها مُحاولات الاستدراج إِلى الجدل الهدّام، بل نأَت بنفسها عن جعجعة الكلام، واتّجهت إِلى العمل الهادئ والهادف إِلى الخُروج مِن عُنق الزُّجاجة.

ومِن هُنا تُفهَم دعوة الرّئيس عون قُبيل الاستشارات النّيابيّة المُلزمة، النوّاب والكُتل النّيابيّة إِلى "تحكيم ضميرها"، عشيّة الاستشارات، لأَنّ الرّئيس كان يُدرك بأَنّ الأُمور تتّجه إِلى هذا الحدّ المحفوف بالمخاطر... بعدما "خذله" النوّاب وكان ما كان، لزم الصّمت والعمل بعيدًا مِن الأَضواء... بَيْد أَنّ شتّى أَنواع الضّغوط على بعبدا، لم تُفضِ إِلى التّنازُل عن "الحقوق الوطنيّة"، فيما أَثبت رئيس الجمهوريّة مُجدّدًا، أَنّه مِن أَشرس المُدافعين عن تطبيق "اتّفاق الطّائف"، بعدما كان في العام 1989 مِن أَشرس الدّاعين إِلى تعديله، "ولو بفاصلة" كما قيل يومذاك، ولكن ما "كُتب (حينها) فقد كُتب"... إِنّه ميشال عون الّذي إِذا ما التزم، فلا يحيد عن التزامه، ولو اجتمعت ضدّه أُمم الأَرض كلّها. وقد دأبت بعبدا على إِبقاء مُحرّكات دبلوماسيّتها شغّالةً وفي كُلّ الاتّجاهات، ما أفضى في النّتيجة إِلى:

*استدراك "​حزب الله​" الدّاعم ل​سعد الحريري​ تكليفًا تشكيل الحُكومة العتيدة، أَنّ الظّرف الحسّاس يُحتّم على الحريري إشراك الجميع في مهمّة استنهاض لُبنان، وليتحمّل كلٌّ مسؤوليّته، و"كلُّن يعني كلُّن"... على ما أَعلنه الأَمين العامّ للحزب السيّد ​حسن نصر الله​ في مؤتمره الصّحافيّ الأَخير الخميس الماضي، مُغلَّفا بـ"نصيحةٍ" إِلى الحريري.

*ظُهور النّائب ​وليد جنبلاط​ المُفاجئ في قصر بعبدا، بعد كُلّ الحملة الّتي قادها على القصر والرّئيس وصهر الرّئيس...

*تأكيد المملكة العربيّة السّعوديّة ولأكثر مِن مرّة في الأُسبوع الفائت، أَنّها تقف إِلى جانب "كُلّ اللُبنانيّين"، أَي إِنّها لا تُناصر فئةً على فئةٍ أُخرى.

إِنّنا فعلًا في مرحلة الـ"سُكوت حَنْصَوّر"، ودرب التّصوير بدأ، لكنّه لا ينتهي "في يوم وليلة"!.