في اللقاء الأخير بين رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ ورئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​، يوم الاثنين الماضي، ظهر الثاني وكأنه يريد قطع جميع الطرق التي تقوده إلى ​رئاسة الحكومة​ من جديد في العهد الحالي، نظراً إلى أنه من المستحيل تصور الوصول إلى حكومة منتجة يكون هو على رأسها في ظل العلاقة المتوتّرة، التي تفتقد إلى الحدّ الأدنى من الثّقة، مع رئيس الجمهوريّة، لا سيّما أنّه قبل ذلك كان قد وضع معادلة إعتذاره مقابل إستقالة عون، بينما لا يمكن أن يقبل الأخير ألا تكون الحكومة، التي من المرجح أن تبقى حتى نهاية عهده، منتجة بالشكل المطلوب.

في هذا السياق، ينبغي التأكيد بأنّ هذه ليست المرة الأولى التي يتمّ فيها الرهان على إسقاط أو إستقالة رئيس جمهوريّة في لبنان لقلب المعادلات، فهذا الأمر حصل في العديد من المناسبات الماضية، الأقرب إلى الذاكرة قد يكون ما حصل مع رئيس الجمهورية السابق ​اميل لحود​، بعد إغتيال رئيس الحكومة الراحل ​رفيق الحريري​ في العام 2005، إلا أنّ التجربة أثبتت أن هذا الأمر لا يمكن أن يتحقّق في لبنان، حيث المواقع السياسية والدستوريّة هي مواقف طائفيّة بالدرجة الأولى، وهو ما يتأكّد من خلال الإشارة إلى أن البطريرك الماروني الراحل مار نصر الله بطرس صفير كان أبرز الرافضين لإسقاط لحود، رغم الإختلاف في الرؤية السياسية المعروف بينهما.

هذا الواقع، كان أبرز المستفيدين من دروسه رئيس "​الحزب التقدمي الإشتراكي​" ​وليد جنبلاط​، بحسب أوساط سياسية متابعة لـ"النشرة"، الذي رغم كل خلافاته مع رئيس الجمهوريّة لم يقبل بأن يقود هو لواء معركة إسقاط عون، رغم موقفه المؤيّد لهذه الخطوة أو إستقالته، فهو كان طوال الأشهر الماضية يردّد بأن المطلوب أن يتولّى المسيحيّون الإعلان عن ذلك، ويلمّح إلى كل من ​البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي​ ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، بالإضافة إلى كل من رئيس تيار "المردة" ​سليمان فرنجية​ ورئيس حزب "الكتائب" سامي الجميل.

وتلفت هذه الأوساط إلى أنه بعيداً عن لعبة الشعارات الكبيرة، حول شكل الحكومة والهدف من وجودها، هناك معادلة باتت واضحة في البلاد عنوانها الأساسي كسر رئيس الجمهورية لتسهيل ولادة الحكومة قبل الإنتخابات النّيابية المبكرة، تتشارك فيها مجموعة واسعة من القوى والشخصيات السياسية، لكن في الواجهة يقف رئيس الحكومة المكلّف، نظراً إلى أنّه هو المعني الأول بالتأليف بالشراكة مع عون ولا يمكن ولادتها من دون إتفاق كامل بينهما، الأمر الذي يدفع إلى السؤال عمّا إذا كان هناك من أقنع الحريري بلعب مثل هكذا الدور؟.

في كتاب "الضوء الأصفر"، للسفير اللبناني السابق في ​واشنطن​ ​عبدالله بو حبيب​، يتمّ التطرق إلى لقاء جمعه وخالد آغا مع الحريري الأب في منزله في جنوب فرنسا، في منتصف شهر آب من العام 1987، يشير فيه رئيس الحكومة الراحل إلى أنه لن يكون هناك وفاق في عهد الرئيس السابق أمين الجميل وإلى أن الأوضاع الإقتصاديّة ستتدهور، طارحاً أن يستقيل الجميل مقابل أن يعوّض عليه بـ30 مليون دولار، على أن يكون رئيس الجمهورية التالي مدير المخابرات السابق ​جوني عبدو​ وهو رئيس الحكومة، متعهداً بالإتيان بالملك السعودي الراحل فهد بن عبد العزيز إلى دمشق، في حال إقناع الجميّل بالإستقالة، من أجل لإقناع ​الرئيس السوري​ الراحل ​حافظ الأسد​ بعبدو(1).

العودة إلى الرواية المذكورة في الأعلى، من وجهة نظر الأوساط نفسها، قد تكون مفيدة في هذه المرحلة لتذكير الحريري بصعوبة إقالة أو دفع رئيس الجمهورية في لبنان إلى الإستقالة، بدليل عدم قدرة والده، بما يملكه من علاقات وقدرات، على تحقيق هذا الهدف، في حين لا هو يملك تلك القدرات ولا العلاقات، خصوصاً بالنسبة إلى لعب دور على المستوى الدولي، ولا رئيس الجمهورية الحالي من الشخصيات التي من الممكن الرهان على كسرها بهذه الطريقة، خصوصاً أن عون يحظى بدعم قوى سياسية وازنة ولديه أكبر كتلة نيابيّة، بالإضافة إلى أنّه مؤسس تيّار سياسي فاعل على الساحة المسيحية، بغض النظر عن الحديث عن تراجعه في الفترة التي تلت التحركات الشعبيّة التي انطلقت في السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019.

في المحصّلة، الوقائع الراهنة، تؤكد أن مصلحة رئيس الحكومة المكلف في هذه المرحلة تكمن في البحث عن تسوية تقوده إلى الإتفاق على تشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن، خصوصاً أن هناك جهات دوليّة تدعم هذا التوجّه بينما هو يفتقد إلى الحاضنة الخارجيّة الضروريّة، بدل الرهان على أنّ التصعيد الذي قد يكون مفيداً له على المستوى الشعبي مرحلياً، لا سيما أنّ المنطقة، على الأرجح، مقبلة على تسوية في الأشهر المقبلة، من الأفضل أن يمهّد الطريق ليكون جزءاً منها.

(1) أكد آغا هذه الرواية خلال مقابلة تلفزيونية مع الإعلامي سامي كليب، ضمن برنامج زيارة خاصة الذي كان يعرض على قناة "الجزيرة".