انعكست حدّة المعركة القائمة بين ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​ ورئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​ على الوضع الداخلي العام، خصوصاً بعدما اجرى الحريري، وفق اعتباره، تغييراً واصلاحاً لمعادلة تضعه والنائب ​جبران باسيل​ خارج الحكومة، فأطلق معادلة جديدة تضعه ورئيس الجمهورية خارج اللعبة السياسية. هذا الكلام غير المنطقي، والذي لا يمكن لاحد القبول به، يدرك الحريري انه يأتي ضمن سياق "تكبير الحجر"، فيكسب بذلك شدّ العصبي السّني حوله من جهة، لكونه "يحافظ على حقوق الطائفة ومقام ​رئاسة مجلس الوزراء​"، كما انه يضعف عون ومقام رئاسة الجمهورية من جهة ثانية. كما يعلم الحريري ومن يدعمه من الطبقة السياسية، ان هذا الامر لن يكون موضع قبول من الطائفة المسيحيّة بشكل عام، ومن الدول الخارجيّة بشكل خاص، وبالتالي فإن اطلاقه لا يعدو كونه مجرد تثبيت كل منهما في موقعه. اضافة الى ذلك، يمكن للحريري ان يعود الى بوابة السرايالحكومي من جديد، فيما لن يكون بمقدور عون او اي رئيس جمهورية آخر ان يعود الى بوابة قصر بعبدا مرة اخرى، لانّ الجميع يعلم وتاريخ ​لبنان​ يشهد بأن اي رئيس للجمهورية لم يعد الى منصبه حتى بعد 6 او 12 سنة على مغادرته منصبه.

في المقابل، علت الاصوات المطالبة بتفعيل صلاحيات الحكومة المستقيلة، ووجد رئيسها ​حسان دياب​ نفسه في خضمّ السوق السياسي للعرض والطلب، وهو ما كان يتوقعه عند تسلّمه ​رئاسة الحكومة​ ولكنّه أتى في هذا الوقت بالذات. وعندما علم اهميّة ما يقال، اتّخذ دياب قراراً بالتدلّل للتشديد على اهميّته من جهة، ولعدم الاصطدام بجزءٍ من الاحزاب والتيارات السّياسية وفي مقدّمها رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​ ورئيس الحكومة المكلّف. كما ان دياب يتوجّس شراً من ادخال نفسه في اتون النار المستعرة والممتدة من لبنان الى خارج حدوده الجغرافية. لذلك، فقد قرّر دياب على ما يبدو، ان يستفيد من هذه الفرصة، ليتحول الى قبلة الانظار، من دون ان يتخذ قرارات قد تؤدي به الى مواجهة مع احد، وفي الوقت نفسه تجنّبه تداعيات لا يرغب في تحملها، وهو الذي منذ تبوّأ منصبه، كان يُطالب بتقاسم المسؤوليّة مع الجميع وعدم تحمّلها لوحده، الى ان خطا الخطوة الناقصة واضطر الى الاستقالة.

وفي خلفية دياب، انه سيربح في كل الاحوال، فإذا بقي الوضع على ما هو عليه لفترة اطول، سيحافظ على منصبه كرئيس حكومة مستقيل يصرّف الاعمال من السراي، اما في حال اتت التسوية، فيكون قد كسب صورة من حافظ على الستاتيكو القائم في لبنان اكبر فترة ممكنة، ويذكّر بأنه قد دعا مراراً وتكراراً الى تشكيل حكومة وانه غير متمسك بمنصب، فضلاً عن انه اذا واصل بري ضغوطه في كل الاتجاهات لاجراء ال​انتخابات​ النيابية الفرعيّة التي يرى فيها طريقة لاحراج عون وباسيل، فيكون دياب قد كسب ايضاً في سجله اجراء انتخابات في ظل اوضاع قاسية وحرجة، وسيحاول قطف ثمار هذه الخطوة عبر الترويج بأنه تمسك بالتعبير الديمقراطي والاصول الدستوريّة رغم كل المشاكل والظروف غير الطبيعية التي يعيشها لبنان على اكثر من صعيد، وفي اوج الخلاف والانقسام السياسي القائم في البلد.

عجلات دوران امور كثيرة توقفت من الاقتصاد اى الصحة الى السياسة... ولكن عجلة واحدة بقيت مستمرة في دورانها وهي عجلة كسب النقاط، فكل فريق يعمل بجهد مضاعف في هذا الوقت لحصد اكبر عدد على حساب الآخرين، وها هو دياب قد انضم الى هذا السباق في الفترة الاخيرة، على امل ان ينصف العداد اللبنانيين وليس السياسيين والمسؤولين.