ارتبط اسم ​لبنان​ و​سوريا​ ببعضهما منذ زمن بعيد، بحكم التقارب الحدودي الجغرافي بينهما، كما ابتليا معاً بالمصائب "الاحتلاليّة" وزاد التلاحم بينهما خلال هذه الفترة للتخلّص من المحتلّ، ولكن، ما ان بدأ ​الاستقلال​ يطلّ برأسه نحوهما حتى برزت الخلافات، واتت النكبة الكبرى بينهما باعلان لبنان الكبير، الى ان اتخذت الامور منحى مغايراً كلياً بفعل التطورات الكبرى في المنطقة، والوصاية الدوليّة التي اعطيت لسوريا على لبنان لعقود من الزمن، ثم سحب هذه الوصاية عام 2005.

لم تكن خطوة فتح السفارات بين البلدين كفيلة بفتح صفحة جديدة من العلاقات، اذ استمر الخلاف اللبناني حول النظرة الى سوريا، وزادت الامور تعقيداً في العقد الاخير من الزمن اثر اندلاع الحرب هناك ونزوح مئات الآلاف من السوريين الى لبنان. ومع الرفض السوري ل​ترسيم الحدود​، بقي الغموض سيد الموقف في ما يتعلق بالحقوق البرّية والبحريّة اللبنانيّة، العالقة بين ​الترسيم​ مع ​اسرائيل​ من جهة وسوريا من جهة ثانية. اليوم، يكثر الحديث عن تلزيم السوريين لشركة روسيّة ​التنقيب​ عن ​النفط​ في حدود ​المياه​ اللبنانية، وفي غياب الحدود الرسميّة، يجد لبنان نفسه بين مطرقة اسرائيل وسندان سوريا. واذا صحّ هذا الكلام، فالمشكلة ستكون اكبر بكثير من تلك التي تواجهنا مع اسرائيل، لأنّه في الحالة الثانية فإننا نقف امام عدوّ ونجابهه بوساطة اميركيّة، أيّ بمعنى آخر فإنّالحركة فاعلة والمفاوضات موجودة ولو انها معلّقة حالياً. اما على الخط السوري، فلا يمكن التعامل بالمعيار نفسه لأنّ سوريا ليست عدوة، ولأنّ الروس لم يتوسّطوا لترسيم الحدود معها كما فعلت الولايات المتّحدة مع اسرائيل. اما الأهم في هذا الموضوع، فهو موقف "​حزب الله​" الذي سيكون مغايراً تماماً في الحالتين، لأنّه في الحالة الاولى (أيّ في مواجهة اسرائيل)، كان التهديد بالردّ على كل اعتداء على المياه الاقليميّة وثروات لبنان المائيّة والنفطيّة، أمّا في الحالة الثانية فلا احد يتوقع ان تكون ردّة الفعل نفسها، فالحزب دفع دماً ثمناً لمساندة ​النظام السوري​ في الحرب التي دارت هناك، وكان سبباً مهماً في صمود ​الرئيس السوري​ ​بشار الاسد​، فكيف سيواجه من دفع في سبيل بقائه الكثير من الاثمان؟ ناهيكم عن أنّ الشركة النفطية روسيّة، والحزب مرتبط بعلاقة وثيقة مع الروس الذين قاموا بالامس بخرق كل الحصار الاوروبي والاميركي المفروض عليه عبر استقبال وفد منه في العاصمة الروسيّة والبحث معه في شؤون لبنانيّة، والاهم في شؤون اقليميّة وسوريّة بطبيعة الحال.

في الداخل اللبناني، علت اصوات المناوئين لسوريا مطالبين بالتحرك لمنعها من الاستيلاء على الحقوق، فيما بقيت اصوات المؤيّدين لسوريا غائبة عن السمع، خصوصاً وان الخبر لم يتمّ تأكيده بشكل حاسم لجهّة ما اذا كان السوريون قد قاموا بالفعل في التعدّي على الحدود اللبنانيّة ام لا. في كل الاحوال، لم تستقم العلاقة بعد بين ​لبنان وسوريا​، وهي تزداد تعقيداً سنة تلو الاخرى، ولعل الخطوة الاولى على طريق تحسين هذه العلاقات يكون بالفعل في ترسيم الحدود، ويجب استغلال الفرصة السانحة حالياً لجهة تواجد قوّة عظمى على الحدود، نعني بها ​روسيا​ كضمانة توازي الضمانة الاميركيةفي المفاوضات مع الاسرائيليين، ولا بد من التعاطي المباشر مع السوريين في الكثير من المواضيع وفي مقدمها مسألة ​النازحين​ وترسيم الحدود، فنكون بالفعل أمام فرصة لوضع العلاقات بين البلدين في اطار صحيح، تستقيم معه الامور وتبدأ الصفحة الاولى من كتاب جديد في التعاطي. ومن البديهي القول أنّه كلّما تأخر هذا الحل، زاد التعقيد وزادت معه التوترات القائمة اساساً بين الشعبين اللبناني والسوري، وسيتعرض لبنان لخسائر اضافيّة لن يكون بالامكان استردادها، وسيبقى الحلقة الاضعف في المنطقة.