لا يختلف اثنان على ان ما شهده ​الاردن​ لا يمكن في أي طريقة من الطرق، أن يرقى الى مستوى الانقلاب او السيطرة على مقدّرات ومقّومات المملكة. ولكن، في المقابل، لا يمكن غضّ النظر عمّا حصل، او اعتباره بمثابة "خطأ بسيط" لانه حدث مهم يحصل لأوّل مرة في تاريخ هذه المملكة لجهّة العمل على زعزعة استقرارها وامنها بشكل جذري (ما خلا بعض العمليّات الارهابيّة لداعش خلال الفترة الماضية والتي سادت في كل دول المنطقة).

التطمينات التي تعزّز استبعاد تصنيف ما حصل على أنّه انقلاب، تعود الى أمرين اساسيين: الاول انه لا يحظى بموافقة الدول الكبرى، وفي مقدمها ​الولايات المتحدة​ الاميركية، التي تعتبر الاردن حليفاً مهماً لها في المنطقة لا يمكن التفريط به بسهولة، كما أنّ الدول الاخرى ليست في وارد اطلاق شرارة من هذا النوع والحجم، ستنعكس حتماً على المنطقة ككل. أما الامر الثاني فيتمثل في أنّ الملك عبد الله الثاني بن الحسين يتمتّع بشعبيّة كبيرة في خلايا ​الجيش الاردني​، وهو يملك شبكة صداقات متينة وقديمة مع كبار الضبّاط والقادة، وشعبيته في الجيش لا تُضاهى ولا يقدر ان ينافسها أيّ شخص من العائلة المالكة. وفي غياب هذين العاملين، تفقد أيّ حركة انقلابيّة ركائزها الاساسيّة، ومن المستحيل أن تبصر النور فتكون قد ولدت ميتة في الاصل.

الا أنّ الاهمية الكبرى تكمن في تخوّف الكثيرين من أنّ ما شهدته المملكة الاردنيّة في الايام الماضية، قد يكون بمثابة "بروفة" لما ينتظر هذا البلد في الفترة التي تلي عهد الملك الحالي، أيّ أنّ الصراع على العرش سيكون محتدماً بعد أن أبعد العاهل الاردني أخاه غير الشقيق ​الامير حمزة​ عن ولاية العهد، ووضع بدلاً منه إبنه الامير حسين. ومرحلة ما بعد الملك عبد الله الثاني، بالغة الحساسيّة، لأنّه عندها، قد تكون مقومات الإنقلاب قد تعزّزت وظهرت، فالجيش لن يكون في وضع مفاضلة بين أيّ من الاثنين او غيرهما لأنّ العلاقة المتينة والشخصيّة تجمعه فقط بالملك الحالي، وهي غير موجودة مع غيره من العائلة المالكة، ومن غير المتوقع أن يقف بالتالي الى جانب طرف واحد، وقد يكتفي بضبط الأوضاع وتأييد من يملك الحظوظ الاكبر لتسلّم قيادة البلاد. أمّا الدول الكبرى ومنها الولايات المتحدة فمطمئنّة الى أنّأيّ انقلاب لن يشهد اراقة دماء ملكيّة لاعتبارات عدة أوّلها ديني كونها من سلالة النبي محمّد. ولكن غياب الاستقرار في مرحلة لاحقة، يمكن استخدامه لأغراض عدّة متعلّقة بالحسابات الفلسطينيّة التي يعاني ​الأردن​ منها كثيراً، ويكفي ما قيل ويقال عن اعتماده بلداً بديلاً للفلسطينيين، لإثارة القلق والخوف لدى الاردنيين عمّا ينتظرهم في ​المستقبل​، وإمكان رسم خريطة جغرافيّة جديدة يخسر فيها هذا البلد مساحات من أرضه لصالح ​الفلسطينيين​، إرضاء للاسرائيليين وتعزيز فرص ​السلام​ وتطبيع العلاقات مع كل الدول العربيّة دون استثناء.

يدرك العاهل الاردني أنّ الخطر الحقيقي ليس في الوقت الراهن، وهو قلق حتماً على ما ستؤول اليه الاوضاع حين يتحضّر نجله الامير حسين لتسلّم العرش والقيام بالمهام الملكيّة، لذلك سيعمل بشكل مضاعف على تعزيز البنية الاقتصاديّة والمعيشيّة الاردنيّة التي شهدت تراجعاً كبيراً بسبب وباء ​كورونا​، والركود الاقتصادي الذي ضرب دول ​العالم​ اجمع، كما أنّه سيحاول نسج شبكة من العلاقات تربط نجله بالمفاتيح الاساسيّة في الجيش الاردني لضمان استمرار الدعم المطلق للجيش للامير حسين كما هو الحال بالنسبة اليه شخصياً، ناهيك عن تحضيره دبلوماسياً وسياسياً لتمكينه من التواصل مع الدول الكبرى الفاعلة وحيازة ثقتهم. إنّها طريق طويلة وصعبة، وأتت هذه "البروفة" لتزيد من صعوبتها، وتسرّع خطى الملك عبد الله في انهائها.