انتهت عطلة ​عيد الفصح​ المجيد، من دون أن تحمل معها "بشائر" ولادة الحكومة، في ظلّ عدم تسجيل الاتصال "الموعود" بين ​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​ ورئيس الحكومة المكلَّف ​سعد الحريري​، على وقْع "الكباش" المستمرّ بينهما على من يخطو "الخطوة الأولى".

بمعنى آخر، مرّ "عيد" آخر من دون أن يحمل معه "العيديّة المُنتظَرة" على طريقة التحليلات ال​لبنان​يّة، والسؤال الأزليّ الذي يحوّل استحقاقًا بديهيًا وحتميًا، بحجم ​تشكيل الحكومة​، وفي ظروفٍ "مفصليّة" كالتي يشهدها لبنان في هذه الأيام "المصيريّة"، إلى مجرد "هدية" يقدّمها المسؤولون للشعب، لمناسبة الأعياد المجيدة والمباركة.

وعلى طريقة "العيديّة"، ثمّة نظرية أخرى يتفنّن بها ​اللبنانيون​ على الدوام، وهي "تدويل" أزماتهم، أو بالحدّ الأدنى، ربطها بقضايا واستحقاقات هي أكبر منهم، كما حصل مثلاً يوم "رُهِن" مصير الحكومة ب​الانتخابات​ الرئاسيّة الأميركيّة، ومن ثمّ بالانتقال الديمقراطيّ في بلاد العمّ سام، على وقع "البلبلة" التي أحدثها "تمرّد" الرئيس السابق ​دونالد ترامب​.

اليوم، يجد أنصار هذا الرأي في محادثات ​فيينا​ الموعودة بين الأميركيّين والإيرانيّين، ولو لم تنضج ظروفها بعد، ضالتهم، ليفترضوا أنّ "الفَرَج" الذي رُصِد على خطّ الحكومة، والذي كرّسه الخطاب الأخير للأمين العام لـ"حزب الله" ​السيد حسن نصر الله​، "متناغم" مع "المرونة" على خط ​واشنطن​-​طهران​، ولذلك الكثير من المعاني والدلالات...

"لماذا الآن"؟!

عديدة هي المؤشّرات التي تجعل المراهنين على العوامل الخارجية يعتقدون أنّ "الانفراج" على خطّ العلاقات الأميركيّة-الإيرانيّة يشكّل "كلمة السّرّ" في "حلحلة" قضيّة الحكومة، انطلاقًا من وجود اعتقاد لدى شريحة واسعة من اللبنانيّين والمراقبين بأنّ لبنان هو "ورقة" على طاولة "المفاوضات"، يمكن أن تُستخدَم للمساومة أو الابتزاز.

ينطلق أصحاب هذا الرأي من علامات استفهام بالجملة عن سرّ "الليونة المفاجئة" على خطّ ​الحكومة اللبنانية​، تزامنًا مع الحديث عن "مرونة" على صعيد ​الاتفاق النووي الإيراني​، بعد الكثير من التصلّب والمشاكسات، وسط علامات استفهام بالجملة تُطرَح، وتكاد تتقاطع عند عنوانٍ إشكاليّ واحد، وهو "لماذا الآن"، أو بالطريقة العامية "شو عدا ما بدا"؟.

ولأنّ عناوين "الحلّ السحريّ" تتطابق مع أفكار مطروحة منذ اليوم الأول، يسأل هؤلاء، لماذا الآن يصبح توسيع الحكومة من 18 إلى 24 وزيرًا مطلبًا واقعيًا ومقبولاً، بعدما كان رئيس الحكومة المكلَّف يرفض مجرّد البحث به وبنقاشه قبل أيام قليلة؟ ولماذا الآن يقبل رئيس الجمهورية بالتنازل عن الثلث المعطّل، بعدما كان يعلن رفضه له، ويتمسّك به على قاعدة "الفصل" بين حصّته وحصّة "​الطاشناق​"؟.

أما السؤال الذي يُطرَح، قبل هذا وذاك، وربما يقود إليهما في حقيقة الأمر، فهو لماذا الآن يبدي السيد حسن نصر الله مرونة غير مسبوقة، كرّسها في خطابه الأخير الذي حمل عنوان "آن أوان تشكيل الحكومة"، بعدما اتُهِم في الخطاب السابق له مباشرةً، بأنّه "يغلّب" السلبيّة على ما عداها، بمواقف أعاد فيها التشكيل إلى مربّعه الأول، طارحًا إعادة البحث بشكل الحكومة بحدّ ذاته، على طريقة "النصائح" لرئيس الحكومة المكلَّف؟.

هنا، تنقسم الآراء إلى معسكرين، إذ ثمّة من يعتقد أنّ الحكومة لا تزال، وسط كل ذلك، "أسيرة" التجاذبات الإقليمية والخارجية المتشعّبة، وهي نظرية قد تكون تطورات الأشهر الماضية أثبتت "عقمها"، في مقابل رأي آخر، يقول إن هناك في لبنان من يريد أن يبني على الإيجابية الإقليمية، لتوظيفها في خدمة الملف الحكوميّ، لأنّ الانفراج إذا لم يحصل اليوم، فالانفجار سيسبقه غدًا، بشكل أو بآخر.

"السلبية" تغلب من جديد

وإذا كان الرأي الأخير يبدو أقرب للواقع، فإنّه "يصطدم" مع حقيقة أنّ الرهان على إيجابيّة الخارج وحده لا يكفي، وإن تعزّز خلال الأيام الماضية، ببعض "الضغوط" التي قد تجدي نفعًا، والتي توّجت بالتواصل الفرنسيّ-السعوديّ الذي طال انتظاره، بعد تلويح ​باريس​ بمقاربة جديدة إزاء لبنان، قد تأخذ شكل العقوبات على "معطّلي" التأليف.

وفي هذا السياق، يتحدّث بعض المتابعين عن "مؤشّرات" برزت في اليومين الماضيين، تغلّب "السلبيّة الواقعيّة" على "الإيجابيّة المفتعَلة"، خصوصًا في ضوء الانتقادات "المبطنة" التي وجّهها رئيس الجمهورية لرئيس الحكومة المكلَّف من ​بكركي​ بعد لقائه البطريرك ​بشارة الراعي​، وحديثه عن "عقد تتوالد"، بحيث لا يكاد المعنيّون يحلّون واحدة حتى تنبثق عنها عقدة جديدة، وعن "حلّ" ينتظر عودة الحريري من رحلاته الخارجيّة.

ويرى البعض أنّ عون، بكلامه هذا، ثبّت أنّ الخلاف الحكوميّ لم يُحَلّ بعد، وأنّ "الزكزكات" مستمرّة على خطّه، علمًا أنّ هناك من يشير إلى أنّ الحريري كان "البادئ الأظلم" في تكريس هذه الأجواء، حين سرّب عبر مصادره "جاهزيته للعودة" متى تبلّغ أنّ الحلّ وُجِد، وفق منطق أنّ "هاتفه مفتوح"، علمًا أنّ أوساط عون تعتبر أنّه من يتعيّن عليه استخدام هذا ​الهاتف​ لطلب موعد من دوائر الرئاسة، للنقاش بالمستجدّات الحكوميّة.

لكن، رغم ذلك، يُحسَب لعطلة عيد الفصح أنّها أبقت، ولو بصورة نسبيّة، على جو الإيجابيّة، أو بمعنى أدقّ، "التفاؤل الحَذِر"، طالما أنّ ما قيل إنّها "مبادرة" رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​ لا تزال مطروحة على الطاولة، ولو أنّ البعض يعتبر أنّها لم تَرقَ بعد لمستوى الجدية المطلوبة، علمًا أنّ هناك من يشير إلى أنّ بري سيتحرّك بوتيرة أعلى خلال ​الساعات​ المقبلة، خصوصًا أنّه ما كان ليزجّ باسمه في المبادرة، لو لم يحصل على "ضمانات مسبقة"، ولو تمسّك على جري عادته بشعاره الشهير "لا تقول فول ليصير بالمكيول".

هل من يعتبر؟

قد لا يكون الرهان على محادثات يمكن أن تجمع الجانبين الأميركي والإيراني في فيينا، لولادة الحكومة اللبنانيّة، واقعيًا، بعدما أثبتت الأحداث أنّ كلّ الرهانات من هذا النوع، التي ترافقت مع رحلة التكليف الحكوميّة، كانت "خائبة" إلى حدّ بعيد.

ثمّة من يعتقد أنّ مثل هذا "الرهان" قد يضرّ أكثر ممّا ينفع، لأنه سيؤدّي تلقائيًا إلى فشل الوساطة الحكوميّة، إذا ما عجزت محادثات فيينا عن ​تحقيق​ التقارب بين واشنطن وطهران، علمًا أنّ بعض المواقف توحي بأنّ هذه المحادثات قد لا تفضي إلى شيء، في ضوء التصلّب الإيرانيّ، ورفض الخوض في أيّ مفاوضات قبل رفع جميع العقوبات المفروضة على طهران.

لكن، ثمّة من يرى، في المقابل، أنّ الحكومة اللبنانية هي "الرهينة" وسط كلّ هذه المَعمعة، ولا بد من "فكّ أسرها"، لأنّ الاستمرار في "المراوحة" بأيّ ذريعة، وتحت أيّ ظرف، لم يعد خيارًا مقبولاً، بل أصبح "خطيئة" تعادل جريمة "الخيانة العظمى"، فهل من يعتبر؟!.