من النادر أن يكون في أي بلد في ​العالم​ لكل 150 مواطناً، موظفا مصرفيا، ولكن الندرة هذه كُسرت في ​لبنان​ على مدى كل السنوات السابقة، فكان في هذا البلد الصغير عشرات ​المصارف​، وما يزيد عن ألف فرع، وما يزيد عن 30 ألف موظف، وهذا ما لن يستمر.

منذ بدء ​الأزمة​، كبُرت معاناة كل القطاعات الإقتصادية وعلى رأسها المصارف التي أصبحت ملزمة بإعادة الهيكلة لأجل الإستمرار. بعد تعميم ​المصرف المركزي​ بزيادة الرساميل بحثت المصارف عن وسيلة لتقليل نفقاتها، خاصّة أنها تحوّلت في كثير من الأحيان إلى "ماكينة سحب" لا أكثر.

إن إعادة الهيكلة ظهرت من خلال تقليص عدد الفروع إلى النصف تقريباً، إذ تُشير مصادر مصرفيّة مطّلعة إلى أنّ 10 مصارف كبرى على الأقل أقفلت حوالي 40 بالمئة من فروعها، كاشفة أنّ الخطّة تقضي بإقفال حوالي 500 فرع من أصل 1100. وتضيف المصادر عبر "النشرة": "استتبع إقفال الفروع صرف الموظفين الّذي تم بالمرحلة الأولى العام الماضي عن طريق تقديم الحوافز، خاصة لكبار السنّ، وطال حوالي 2000 موظّف، ويبدو أنه سيُستكمل من خلال مرحلة ثانية بالصرف".

تكشف المصادر أن عدد موظفي المصارف الذي يبلغ حالياً بحسب الجمعيّة 25908 لن يبقى على حاله، إذ من المتوقع أن يتقلّص بنحو 25 بالمئة على الأقل، وهذا ما يُثير قلق الموظفين الذي يعملون في اجواء من الخوف على ​المستقبل​، خاصّة أن خسارة العمل في الفترة الحالية تعني خسارة الدخل الذي لن يُعوّض بسبب انعدام القدرة على إيجاد عمل جديد.

تؤكّد المصادر أن الموظّفين لا يفكّرون اليوم سوى باستمرار عملهم، فهم لا يريدون تعويضات قد تخسر قيمتها بعد شهر، بل يريدون استقراراً وظيفياً يبدو انه لم يعد متاحاً في لبنان، مثمّنة دور كتلة "​الجمهورية القوية​" التي تقدّمت باقتراح قانون معجّل مكرر يهدف إلى تعزيز استفادة الموظّفين في ​القطاع المصرفي​ الذين سيتقرر إنهاء عقود عملهم، عن طريق زيادة تعويضاتهم وتعزيز حقوقهم.

الخطر في ما يدفع ​مصرف لبنان​ باتّجاهه عبر لجنة الرقابة على المصارف، هو بحسب المصادر غياب "الخطّة"، إذ تُشير إلى أن هذا القطاع يشكّل وحدة متكاملة لا يُمكن فصل مصرف منها، وبالتالي فإن الضرر الذي يُصيب فئة من المصارف يؤثر على الفئات الأخرى، بغض النظر عن حجمها. وتقول: "منذ بدء عملية إقفال الفروع، تبيّن أن لا خطّة شاملة تجمع المصارف، وأن كل مجلس إدارة بات يفكّر على مبدأ "اللهمّ نفسي"، وهذا ما سيسبّب أزمة كبيرة جداً في المستقبل القريب، ويُخشى أن يكون الموظف هو الضحية فيها".

بالنسبة إلى المصادر فإن أيّ خطوة تُتّخذ في هذا القطاع يجب أن تكون في سياق خطّة شاملة له ولاقتصاد البلد ككل، فالقطاع المصرفي ليس معزولاً عن باقي القطاعات، والإجراءات المتّخذة فيه لن تحمل أيّ فائدة ولن يكون لها جدوى بحال جاءت منفردة.

إذاً، يبدو أن قطاع المصارف لا يسير على درب سليم، ولعلّ اكثر المتضررين بعد المودعين هم الموظفين، فهم الحلقة الأضعف في كل ما يجري في هذا القطاع.