في الوقت الذي باتت فيه مجمل المعطيات المحلّية والخارجيّة تؤكد بأن الساحة ال​لبنان​ية باتت واحدة من الساحات الإقليميّة التي يسيطر عليها الغموض، في ظلّ عدم وضوح الرؤية الأميركيّة ​الجديدة​ في عهد إدارة الرئيس ​جو بايدن​، طغت على الأجواء السياسية العديد من المؤشرات حول الرهان على لقاء، يجمع رئيس ​الحكومة​ المكلف ​سعد الحريري​ ورئيس "​التيار الوطني الحر​" النائب ​جبران باسيل​، في العاصمة الفرنسية ​باريس​.

هذا الرهان، ينبع بالدرجة الأولى من التركيز على إمكانية نجاح الرئيس الفرنسي ​إيمانويل ماكرون​ في معالجة ​الأزمة​ الحكوميّة، بالرغم من مرور ما يقارب 6 أشهر على المبادرة التي أطلقها بعد الإنفجار الذي وقع في ​مرفأ بيروت​ في الرابع من آب الماضي، من دون أن تنجح باريس، على الأقل حتى الآن، في تأمين ظروف نجاحها، بسبب مجموعة من العقبات التي تعترض طريقها.

في هذا السياق، تقرأ مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، هذا الرهان إنطلاقاً من معادلة تؤكد بأنّ باريس غير قادرة على فرض أيّ حلّ على الساحة اللبنانيّة في الوقت الراهن، بالرغم من سعيها إلى لعب دور محوري على هذا الصعيد، نظراً إلى أنها لا تستطيع ذلك، في ظل وجود أكثر من جهّة دولية وإقليميّة مؤثّرة، وبالتالي نجاحها يفترض أن ينطلق من قدرتها على تأمين الأرضيّة المناسبة عبر الحصول على تفويض من قبل تلك الجهات.

في الأشهر الماضية، واجهت المبادرة الفرنسيّة معادلة التعارض مع السياسات الأميركية في عهد الرئيس السابق ​دونالد ترامب​، الذي كان لديه توجهات معروفة بالنسبة إلى الساحة اللبنانيّة، لكن بعد خسارته في الإنتخابات الرئاسيّة، ظن الكثيرون بأن باريس، في ظلّ رغبة ​واشنطن​ في إعادة ترتيب علاقاتها مع حلفائها التقليديين، قادرة على الذهاب بعيداً في مبادرتها، إلا أنها عادت لتصطدم بالوقائع التي لا يمكن تجاوزها.

إنطلاقاً من ذلك، تشير المصادر نفسها، إلى انه تم الإنتقال بالحديث أن المطلوب حصول المبادرة الفرنسية على الغطاء الضروري من المملكة العربية السعوديّة، على قاعدة عدم قدرة الحريري على ال​تكليف​ في حال عدم حصوله على ​الضوء​ الأخضر من الرّياض، وتلفت إلى أنّ هذا الأمر لم يتوفّر حتى الآن، بدليل الموقف الصادر عن ​وزير الخارجية​ ​السعودية​ فيصل بن فرحان قبل أيام، خصوصاً أنّ ​الرياض​ تراهن على الدخول إلى الملفّ ​النووي الإيراني​.

على وقع المساعي الفرنسية الخاصة بالساحة اللبنانية، لا يمكن تجاهل المواقف التي كانت تطلقها باريس من الملفّ النووي، خصوصاً تلك المتعلّقة بضرورة مشاركة الرياض في أيّ مفاوضات جديدة، رغم معرفتها المسبقة بموقف ​طهران​ من ذلك، وهو ما فسّر على أساس أنها تريد مقابل ذلك الحصول على تسهيل من جانب المملكة في ما يتعلق بالملفّ المحلّي، بالتزامن مع التلويح بورقة العقوبات الأوروبيّة على الشخصيات اللبنانيّة التي تعتبرها معرقلة.

بناء على ما تقدم، ترى هذه المصادر أن الرهان على اللقاء الشخصي بين الحريري وباسيل لا يمكن أن يوضع إلا في سياق ​العجز​ الفرنسي أو في إطار تسخيف الأزمة الحكومّية، نظراً إلى أنه من المستحيل تصور أن هذا الملف عالق على مصالحة بين الرجلين فقط لا غير، في حين أنّ المسار الفرنسي كان قد مرّ بالعديد من المحطات، التي كانت تضمّنت تكليف ​السفير اللبناني​ في ​برلين​ ​مصطفى أديب​ في البداية، وصولاً إلى الحديث، في العديد من الأوساط المحلية والخارجية، عن إنتهاء صيغة الاختصاصيين المستقلين التي كان يقوم عليها هذا المسار.

في المرحلة الراهنة، لا يمكن الحديث عن الدور الفرنسي في لبنان فقط، خصوصاً أن الساحة المحلية كانت قد شهدت دخول العديد من الجهات بسبب خطورة الواقع الذي وصلت إليه البلاد، من المحاولات التي تقوم بها دولة ​الفاتيكان​ إلى الدور الذي تقوم به ​روسيا​ وصولاً إلى الزيارة المنتظرة لوزير الخارجيّة المصرية ​سامح شكري​.

من وجهة نظر المصادر السياسية المطلعة، كل ذلك لا يمكن فصله عن معطيين جوهريين: الأول يتمثّل بالمفاوضات التي تحصل في ​فيينا​ لإعادة إحياء الإتفاق النووي، بين الدول الموقّعة عليه بإستثناء ​أميركا وإيران​، مع العلم أن واشنطن ستكون حاضرة دون حصول أيّ لقاء مباشر مع الوفد الإيراني، أما الثاني فهو الإعلان الألماني عن الرغبة في الإستثمار في إعادة بناء مرفأ بيروت والمنطقة المحيطة.

كل ذلك، يدفع المصادر المطّلعة في الختام إلى التأكيد بأن أهمية أي لقاء شخصي، في حال حصوله، تكمن بالظروف التي ستكون مرافقة له، أيّ بما يمكن أن يقدّم له للخروج بنتائج إيجابية لا بما يمكن أن ينتج عنه، وتسأل: "هل نجحت باريس في تأمين ذلك للدفع نحو عقد إجتماع بين الحريري وباسيل برعاية ماكرون"؟.