إِستقبل اللُبنانيُّون ​شهر رمضان​ المُبارك، هذا العام، بالخبر الفاجعة الّذي هزّهم بعنفٍ لدرجة الزّلزال المُدوّي، لأَنّه أَبعد ما يكون عن القِيَم الإِنسانيّة والخُلُقيّة الّتي لطالما امتاز بها اللُبنانيّون، وحتّى في أَزمنة الحروب العالميّة والمجاعات والأَوبئة... ما طرح السُّؤال الكبير: هل بات لُبنانُ مُهدّدًا بقيمه؟ أَم أنَّ التفنُّن في تنفيذ الجرائم الوحشيّة وبدمٍ باردٍ، هو وجهٌ آخر مِن وجوه المُؤامرة على ​لبنان​ الرّسالة؟...

لقد حافظ اللُبنانيُّون، وفي أَحلك الظُّروف، على القيم الإِنسانيّة السّمحاء، فبلغوا بها حدَّ التّقديس، وهُم حُكمًا لن يُفرّطوا بها، مهما بلغت قساوة أَيّامهم!...

لذا، فما وردهُم السّبت الماضي، عن عثور "السُّلطات الأَمنيّة اللُبنانيّة، على حقيبةٍ تحتوي على أَعضاء بشريّة" في شارعٍ بيروتيٍّ، بعدما أَبلغ السُكّان بالعُثور على الحقيبة أَمام مصرف "لبنان والمهجر" في ​شارع الاستقلال​، قد زاد على نكباتٍ مُنيوا بها حتّى السّاعة... في جريمة تهزّ الإنسانيّة جمعاء، وسيكون لها ارتدادات في المواقف الشّاجبة، لكون المجتمع اللُبنانيّ براءٌ منها وهو يرفضها في شدّةٍ... على اعتبارها فاجعةً جديدةً أَخطر ما فيها أَنّها تضرب اللُبنانيّين في صميم قيمهم الإِنسانيّة!...

وكان أَهالي المنطقة عثروا على الحقيبة، بعد ساعاتٍ على وجودها في المكان، وبعد اكتشاف دماءٍ إِلى جانبها، وقد تبيّن أَنّ "الأَشلاء الموجودة فيها تعود إِلى امرأةٍ تحمل الجنسيّة الإِثيوبيّة. ولا شكّ أَنّ للجريمة الشّنعاء تداعياتٍ وارتداداتٍ لن يحدّ مِن جمرها اللَهَّاب، سوى معرفة الحقيقة الكاملة ومُعاقبة المُجرم أَو المُجرمين.

ولن تقف المسأَلة عند حُدود معلوماتٍ أَشارت إِلى أَنّ "بلاغًا وصل إِلى مكتب ​فرع المعلومات​ والتّحقيقات، (في شأن العُثور على حقيبةٍ تحتوي على أَعضاء بشريّة في شارع الاستقلال)، وقد بدأَ التعرُّف إِلى ​تفاصيل​ الجريمة (المروّعة)، مِن خلال البحث في الكاميرات المُنتشرة في المنطقة، لمعرفة مَن وضع الحقيبة، ومِن ثمّ تبيُّن هويّة مَن ارتكب الجريمة". كما وأَنّ جريمةً على هذا القدر مِن الخُطورة على المُجتمع، ينبغي أَلَّا يكون مصيرها "جوارير المُحقّقين"، أَو أَن تُسطّر تحت عباءة "المجهول".

وثمّة أَلف سُؤالٍ وسُؤالٍ... قبل الوصول إِلى الحقيقة الكاملة في هذه الجريمة الّتي تخجل بها الإِنسانيّة، وأَوّلها: أَين بقيّة أَجزاء جسد المرأَة، ما دامت ليست كلُّها داخل الحقيبة المُكتشفة؟...

صحيحٌ أَنّ لُبنان المُعاني مِن أَوضاعٍ اقتصاديّةٍ واجتماعيّةٍ صعبةٍ، قد سجّل ارتفاعًا بنسبةٍ عاليةٍ جدًّا، في الجريمة والسّرقات في شكلٍ ملحوظٍ، خلال الأَشهر الأَخيرة، بيد أَنّ ذلك لا يُبرِّر إِطلاقًا، جريمة شارع الاستقلال المُروِّعة، ولا الوحشيّة المُفرطة المُستخدَمة في تنفيذِ الجريمة!.

وصحيحٌ أَنّ التّقرير الصّادر عن «الدّوليّة للمعلومات» قد أَشار في منتصف آذار الماضي، إِلى أَنّ لُبنان "شهد خلال كانون الثّاني وشباط 2021 إِرتفاعًا في ​جرائم القتل​ والسّرقة، مُقارنةً بالفترة نفسها مِن العام 2020، أَي بزيادةٍ بلغت 45 في المئة، ولكنّ التّقرير لم يُشِر في المُقابل، إِلى الوحشيّة في تنفيذ بعض الجرائم الشّنعاء، ومنها جريمة شارع الاستقلال. وغالبًا ما تكتفي التّقارير بالإِشارة فقط إِلى عدد الضّحايا، كالإشارة مثلًا إِلى أَنّ "عدد القتلى في لُبنان، خلال كانون الثّاني وشباط 2021، وصل إِلى 32 قتيلاً مُقارنةً بـ 22 قتيلاً في الفترة نفسها مِن العام 2020". ولا بُدّ مِن الإضاءة هُنا على خُطورة بعض الجرائم، ونسبة الحقد والإجرام العالية المُتّبعة مِن خلال التفنّن بالقتل وقطع الأَجساد أَشلاءً.

إِنّها أَكثر مِن جريمةٍ ضحيّتها "امرأَةٌ إِثيوبيّةٌ تُضاف إِلى ​جرائم قتل​ العاملات المُهاجرات في لُبنان"، على ما ورد في بعض وسائل التّواصل الاجتماعيّ في نهاية الأسبوع الماضي، إِذ مُنذُ نيسان 2020، وقعت 14 جريمةً مُماثلةً، وهذا فقط عدد الحالات الّتي تمّت تغطيّتها إِعلاميًّا. وما زال الكثير من عاملات المنازل المُهاجرات يُعاني خلف الأَبواب المُغلقة مِن الكُفلاء، وقد اقتضت الإشارة.