على الرغم من كل المعطيات والمؤشرات والادلة التي تفيد بأن المشكلة في ​لبنان​ خارجيّة ودوليّة ولكنها تعمل بأدوات لبنانيّة، يصرّ البعض على اعتبار أنّ مفتاح الحلّ للمشكلة الحكوميّة، وربما لمشكلة الدولة ككل، يكمن في حصول لقاء بين رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ والنائب ​جبران باسيل​. يستند اصحاب هذا الرأي الى انه بمجرد حصول اللقاء، سيخفّف رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ من اصراره على مطالبه، وسيفتح الباب بالتالي امام التسويات التي تطرح من هنا وهناك والهادفة الى تأليف حكومة برئاسة الحريري، وتضمن حصول اجماع عربي ودولي حولها.

وفي حين فشلت ​فرنسا​ في فرض هذا اللقاء لاسباب منها معروف ومنها لا يزال مستوراً، فإن الكلام اليوم يدور على دور روسي في هذا المجال، يهدف الى ان تكون ​موسكو​ "همزة الوصل" بين الرجلين، حيث استضافت الاول وخصّته بتكريم لافت، فيما تنتظر العاصمة الروسيّة الثاني ضمن دعوات لمسؤولين وسياسيين لبنانيين. وهناك من يعتبر ان الروس ادركوا ان التعقيدات الخارجية لا تزال عصيّة على حصول تسويات ولقاءات بين اطراف متصارعة، فكان الحل الانسب بالنسبة اليهم، الاكتفاء بلعب دور الوسيط بدل ان يكون الضغط لحصول لقاء مباشر. وفي رأي العديد من المتابعين، لن يكون اللقاءبين الحريري وباسيل، في حال حصوله، العامل الذي سيخرج الازمة اللبنانية من الثلاّجة، ولو ان هذا البعض يعترف بأن اللقاء من شأنه تنفيس الاحتقان واعادة الجو الايجابي الى السماء اللبنانية بعد ان غادرها لفترة طويلة. ولكن، ليس هذا اللقاء هو من سيعيد "دوزنة" الاوضاع، فقد حصل لقاء مماثل مع بداية التكليف، ولو من باب الاعتبارات الرسمية، الا انه لم يؤدِّ الى نتيجة. اضافة الى ذلك، من الذي يعتقد فعلاً انه بامكان الحريري لوحده ان يقول لا للفرنسيين عندما يدعونه الى باريس، خصوصاً وانهم اصحاب المبادرة التي يحملها هو نفسه كدرع للاحتماء من انتقادات من يتهمه بالعرقلة وتأخير التشكيل؟ لا شك ان العقد موجودة وان الحل السحري لم ينضج بعد، وخلال هذا الوقت، يسعى كل من الحريري وباسيل الى تسجيل اكبر عدد ممكن من النقاط في مرمى الآخر، فيظهر الاول على انه حامي منصب وهالة رئاسة الوزراء ويمعن في ضرب صورة حليف الامس وعدو اليوم في مسعى لاغراقه في عزلة تامة، فيما يستمر الثاني في حمل لواء الدفاع عن ​حقوق المسيحيين​ واعتبار رئيس الحكومة المكلف بمثابة "قاتل" لانهاء حياته السياسية، واي طموح مستقبلي له ان لناحية الاستمرار في ترؤس اكبر كتلة نيابية في ​مجلس النواب​، او لناحية ابعاد فكرة الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة. وبالتالي، حتى لو حصل اللقاء بين الرجلين تحت اي ذريعة، فإن نتيجته ستكون شكلية فقط، ما لم يكن هناك من اجواء دولية حاسمة لفرض الحل في لبنان بالقوة، ولا يجب ان يفهم بهذا الكلام ان القوة المقصودة هي سحرية او عقابية، بل بقوة النفوذ والاستمرارية للاطراف اللبنانية المعنية، التي تخاف بالطبع على مستقبلها وعلى مقدار ما ستتمتع به من قوة سياسية في المستقبل القريب، بعد السير على طريق العودة من الهاوية.

انه "فن التعذيب" الّذي يمارسه الخارج بحق لبنان، بمساعدة قويّة وفاعلة من اللبنانيين انفسهم (مسؤولون وسياسيون وحتى قسم من المواطنين)، الى ان تتضح الصورة، وينتهي مسلسل التعذيب الطويل، ويعود كل لاعب محلّي الى مكانه بعد ان يضع الخارج الحل على الطاولة بصيغة سترضي الجميع (حتى لو لم يكونوا راضين عنه)، وتتلاشى التعقيدات واحدة تلو الاخرى بسهولة كبيرة وكأنها لم تكن اصلاً، فيما ندفع يومياً ثمنها دماء وعذاباً وفقراً واذلالاً...