بينما كان نائب رئيس ​المجلس النيابي​ ​إيلي الفرزلي​ يدعو الجيش ال​لبنان​ي لتسلّم زمام المسؤولية في البلد، كان كلامه ينطلق من واقع لبناني خطير نتيجة تحلّل مؤسسات الدولة: ماذا بقي منها؟ هناك تباينات سياسية حول كل عناوينها، وخلافات بشأن ​تفاصيل​ اداراتها. تغيب الثقة، وتحلّ وجهات النظر بشأن أمور يُفترض ان تكون ثوابت لبنانية.

لم يتحدث الفرزلي من فراغ، ولا هو استند الى موقعه النيابي، أو نتيجة عصارة تجربته السياسية التاريخية الغنيّة، ولا انطلق من أمنيات أو مصالح لديه. بل فجّر الفرزلي دعوته ارتكازاً الى واقعية تلقى صدى دولياً، بعدما وصلت العواصم إلى مرحلة اليأس من لبنان.

تتحدث معلومات عن أسئلة تدور في عدد من العواصم الغربية والعربية: ماذا بقي من ​الدولة اللبنانية​؟ رفعت سفارات في ​بيروت​ ​تقارير​ إلى دولها حذّرت فيها من مجريات الأوضاع السياسية والإقتصادية في هذا البلد. واذا كانت تلك ​التقارير​ سرّية، الاّ أن ما تردّد في الكواليس أن هناك تخوفاً جدّياً بعد ​رفع الدعم​ المالي عن البضائع والمواد الغذائية. من يضمن حينها إنضباط ​الأمن​؟ وكيف سيتصرف المولجون بفرض الإستقرار، وهم أكثر اللبنانيين حاجة إلى الحلول الإقتصادية: لم تعد رواتب العسكريين والامنيين تكفيهم لأول أسبوع من الشهر، في ظل غلاء ​الاسعار​ وارتفاع تكلفة المعيشة.

وإذا كانت مؤسسات البلد العسكرية والأمنية معرّضة للاهتزاز بسبب سوء الأوضاع الإقتصادية، فمن يضمن بقاء الدولة التي تهتز حالياً؟ لا وجود لأي جسم وطني جامع آخر.

ومن هنا، لم تعد العواصم تثق الاّ ب​الجيش اللبناني​، كمؤسسة ثابتة ومقتدرة تستطيع ممارسة الأدوار المطلوبة منها. هناك حديث عن تجربة مصر كمثال، حيث نجحت ​المؤسسة العسكرية​ في إعادة ضبط ​الجمهورية​ وتنفيذ نهضة إقتصادية منعت الانهيار الشامل في بلاد النيل، ولا تزال تحاول رفع المستوى الاقتصادي للبلاد بعد معاناة.

سيلقى الطرح بشأن الجيش صدى شعبياً ايجابياً محلياً، رغم مشاكسة محتملة لقوى سياسية متضررة من تسلّم الجيش اللبناني زمام المبادرة. وقد تبدو المسألة معقّدة في لبنان، بسبب تركيبته الطائفية غير الموجودة في مصر. لكن ما هي البدائل؟.

سعت العواصم الصديقة الى اعلان نوايا رغبتها في ​مساعدة​ لبنان، شرط أن ينجح ​اللبنانيون​ في لم الشمل خلف ​مسيرة​ ​الحكومة​ العتيدة في درب الإصلاح. غير ان الخلاف اللبناني أطاح بالمساعي ل​تأليف​ ​مجلس وزراء​ أصيل، بعد فشل الحكومة التي تصرّف الأعمال الآن في كل خطواتها: كيف تساعد الدول لبنان الذي عجز عن فرض نفسه في ملف ​ترسيم الحدود​ تمهيداً للتنقيب عن ​الغاز​ و​النفط​؟ وكيف يمكن مساعدة بلد لم تتفق القوى السياسية فيه على شكل وتركيبة الحكومة؟ وأي أمل في بلد تمت فيه الإطاحة ب​القضاء​؟.

ان مصطلح "تحلّل الدولة اللبنانية" ورد في تقارير دبلوماسية دعت إلى تأمين إتفاق دولي لتسليم الجيش المسؤولية مرحلياً في لبنان كسيناريو إنقاذي، ريثما تحصل إنتخابات نيابية وتكوين سلطة جديدة.

ان كل ما يجري يؤكد ان لبنان الآن يكرر تجربة نهاية الثمانينات، فكيف سيتصرف الجيش هذه المرة؟.

قد ينأى الجيش بنفسه، كما يحاول قائده ​العماد جوزاف عون​ الآن، كي يمنع أي انقسام من التسلل الى داخل المؤسسة العسكرية، خصوصاً أن الجنون اللبناني يطيح بكل ما بقي في الدولة المتحللة. ولكن في حال وصلت الاوضاع الإقتصادية والمعيشية في ظل الترف السياسي الى مرحلة تشكّل فيها خطراً وجودياً على الجيش، فهل تتفرج المؤسسة العسكرية؟.