لم يتوقع الخبراء ان تتمكن المؤسسات من العمل والانجاز في ظل اتفاقية الطائف لما تضمنت الأخيرة من نواقص دستورية تؤمن فعاليتها.

لكنها بدت وكأنها فعالة نوعاً ما طوال فترة ما سمي ب​الوصاية السورية​.

لا يوجد اليوم في ظل الظروف ًالمأساوية التي تمر بها البلاد أي بديل عن هذه الاتفاقية.لذا لا بد لنا من التطرق الى أسباب التعثر الذي نعيش انطلاقًا من النصوص الاصلية والممارسات والتجاوزات التي لحقت.

فلننظر في الاساس أولا:

ان ​اتفاق الطائف​ هو امتداد للاتفاق الوطني الذي تجسد ب​الدستور​ والميثاق

الوطني .فهو تأكيد على مشروع تفاعل الاضداد ضمن اطار ​الدولة​ الواحدة الموحدة، على اختلاف التيارات الحضارية بين شرق وغرب او بين معتقادات وطوائف مختلفة ، بين ​الإسلام​ والمسيحية، او حتى بين ذاكرات تاريخية تجمع بين شاطئ عايش الحضارات التابعة للامبراطوريات وجبل رفضي. مثل ​الموارنة​, الطرف المسيحي المتفاعل مع الغرب، ومثلت ​الطائفة السنية​ ,الطرف الإسلامي المتفاعل مع الأكثرية الإقليمية في المحيط.

لم يتطرق اتفاق الطائف الى هذه الأساسيات بل حافظ عليها انما اتى بتعديل على توزيع ​السلطة​ بين الافرقاء.

اما في لب النصوص ودون الخوض بالتفاصيل نذكر أولا نية تقليص صلاحيات ​رئيس الجمهورية​ ونقل الجزء الأكبر منها الى ​مجلس الوزراء​ مجتمعاً. وفي المقابل حاول الاتفاق تطمين المسيحيين باختلاق بعض التدابير، منها انتخاب الرئيس بالأكثرية الموصوفة، وكذلك فرض موافقة ثلثي أعضاء مجلس الوزراء لجميع القرارات الأساسية التي تمس ​الحياة​ المشتركة والكيان الوطني.

اما من ناحية التطبيق,

بدت الأمور وكانها منتظمة في ظل عهد الوصاية بعد ما أسكتت او اضعفت أصوات المكون المسيحي.

فعرفت العلاقات بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء شيئًا من التوافق المفروض تاركاً لرئيس الجمهورية مسؤولية اختيار الوزراء المسيحيين ولرئيس مجلس الوزراء مسؤولية اختيار الوزراء والمناصب الإسلامية مع بعض الاستثناءات على ان تخضع كلها الى خيارات السلطة الوصية. يجدر التذكير هنا ان التحكيم السوري كرس في عهد فخامة الرئيس ​اميل لحود​ حظر إمكانية النواب تفويض الرئيس خلال الاستشارات لتعيين رئيس الوزراء بعد ان كانت تمارس منذ فبل الطائف و حتى خلال السنوات التسع الأولى التي تلت الاتفاق.

من انحرافات الممارسات نذكر كذلك أهمها عنيت انتقال السلطة الفعلية من مجلس الوزراء مجتمعاً كما ورد في النص الى شخص رئيس مجلس الوزراء منفرداً.

لذا كل ما سبق عزز الخلل وعدم التوازن في حق المكون المسيحي الى حد اعتبار مبدأ الثلثين، الموضوع أساسًا لتطمينه في ظل تقليص الصلاحيات، وكانه ثلث معطل غير ديمقراطي.

لا بد هنا من التذكير ان اتفاق الطائف لم يات الا بتعديلات طفيفة لصالح المكون الشيعي ما ادى ب​السلطات السورية​ وفي محاولة لتحسين التوازن، الى تكريس مبدأ الترويكا المنافي تماما لمفهوم النظام الديمقراطي البرلماني ومبدا استقلال السلطات.

ومع تنامي أهمية المكون الشيعي ونظرا لهذا الاجحاف لم يعد باستطاعة رئيس الوزراء تمثيل جميع المسلمين كما ورد في مفهوم الاتفاق التاسيسي حيث هو يمثل الطرف المقابل للشريك المسيحي. وهذا ما شكل احد أسباب التعطيل الرئسية.

لكن كيف مقاربة ​المستقبل​؟

يجب العودة الى الأساسيات مع ادخال تحسينات طفيفة تطال بعض المهل وتحدد مفهوم الثلث الضامن مع تحديد النظام الداخلي لمجلس الوزراء ...

اما اذا ما اردنا هذا فلا بد من الاخذ بعين الاعتبار دور المكون الشيعي المستجد و تأكيد انخراطه في المشروع الوطني القومي.

إبراهيم حنا الضاهر

وزير سابق