المسيحيون​ في ​لبنان​ هم درة هذا المشرق العربي ويجب الحفاظ على وجودهم وعلى تفاعلهم مع قضايا المنطقة لا سيما ​القضية الفلسطينية​ ولو عدنا لتاريخ مؤسسة القومية العربية لوجدنا ان المسيحيين كانوا عماد القومية واصل النضال الحقيقي ضد ​العدو الاسرائيلي

لكن التوافق اللبناني الشفهي والاقرار بمسيحية الرئاسة الاولى لا يعني حرمان باقي ​الطوائف​ اللبنانية من تبوؤ مناصب رفيعة لم تزل حكراً على ​الموارنة​ لان في ذلك تشكيكاً بولاء الطوائف اللبنانية الاخرى للوطن وهذا امر مرفوض

هنا لا بد لي من ذكر ما اقدم عليه الرئيس ​امين الجميل​ في العام 1988 عشية انتهاء ولايته الرئاسية فقد كلف قائد الجيش انذاك بتشكيل حكومة عسكرية تتولى شؤون البلد بعدما كان الاتفاق مع المفاوض ​داني شمعون​ بتولي الرئيس ​سليم الحص​ ​رئاسة الحكومة​ لادارة شؤون الوطن والمواطنين في ظل الشغور بموقع الرئاسة الاولى.

الا ان المفاجأة كانت باصدار الرئيس الجميل مرسوماً كلف بموجبه قائد ​الجيش اللبناني​ انذاك بتشكيل حكومة عسكرية وحين سئل الرئيس الجميل عن سبب اقدامه على اتخاذ تلك الخطوة اجاب:

اردت بذلك ان لا تؤول زمام الحكم بلبنان الى رئيس الحكومة المسلم ما دفع الرئيس سليم الحص الى اصدار بيان استنكر فيه التشكيك بوطنية المسلمين مشددا على ان المسلمين ليسوا اقل وطنية من المسيحيين بل ان التاريخ اثبت ولاءهم للبنان على عكس بعض المسيحيين

وبكل صراحة نطرح بعض الاسئلة التي ومنذ استقلال لبنان لم نجد سبيلاً للاجابة عليها

لماذا مراكز ​قيادة الجيش​ وحاكم ​مصرف لبنان​ وباقي المراكز الاولى التي تشكل مفاصل ​الدولة​ هي حكراً على طائفة الموارنه؟.

سؤال اخر لماذا اصرار ​الطائفة الشيعية​ باسناد حقيبة ​وزارة المالية​ الى وزير شيعي؟ ما يوحي ان ​الشيعة​ هم المؤتمنون على مالية الدولة دون سواهم وهذا اجحاف اخر لباقي الطوائف

توزعت الدولة حصصاً طائفية واسقط مبدأ المشاركة الفعلية مع باقي ​طوائف لبنان​ التي اضحت تشعر بالغبن والاجحاف وبدلاً من بناء دولة الموطنة الحقيقية اضحى لبنان عبارة عن مجموعة طوائف تتنازع الحقوق الطائفية والمذهبية متجاهلة حقوق الوطن والدولة.

كان المفترض ان يكون لبنان دولة بكل ما تعني الكلمة فاضحت الدولة عبارة عن زعماء طوائف يتزعمون طوائفهم من خلال الايهام بانهم حراس حقوق الطائفة وبدونهم تصاب الطائفة بالزوال وساد مبدأ التسويات بين الطوائف على حساب الوطن والدولة.

مبدأ التسويات جعل من زعماء الطوائف حكام الدولة فتقاسموا مغانمها حصصاً فيما بينهم بما يتناسب ومصالحهم الشخصية تاركين طوائفهم على قارعة الطريق ليسود ​الفساد​ وبشكل لم يسبق له مثيل في مختلف مرافق الدولة مما ادى الى تآكل مفهوم الدولة.

لا بد لنا من الاشارة الى تجربة رائدة جرت بين اللبنانيين بتلاقي مكونات الوطن على اسس وطنية لا طائفية شكلت الامل في بتاء دولة قوية عابرة للطوائف الا وهي اعلان اتفاق كنيسة ​مار مخايل​ بين ​التيار الوطني الحر​ وبين ​حزب الله​ بيد ان بعض الطائفيين في التيار تعاملوا مع هذه التجربة على اساس اما معنا واما ضدنا فاعادت نغمة الحقوق ​المسيحية​ على حساب التضامن الوطني مستفيدة من هذا الاتفاق للولوج من باب الرئاسة الاولى.

مرة اخرى لعبت الطائفية المقيتة على وتر الوطن لتهدد مضمون اتفاق مار مخايل الذي بات بحاجة الى اعادة ضبط الممارسة الوطنية لا الطائفية.

من الاخطاء التي ارتكبت ولم تزل ترتكب بحق لبنان واللبنانيين استمرار المراهنة على زعماء الطوائف ولو ادينوا بالفساد وبنهب المال العام ومدخرات اللبنانيين وحتى بعد ان ثبت فشلهم بادائهم الحكومي والوطني.

الأزمة التي يواجهها لبنان حالياً هي الأخطر والأسوأ منذ تأسيسه. تتداخل فيها العوامل الداخلية والخارجية، وفي طل بقاء ​الطائفية السياسية​ كعامل اساسي ومعتمد في لبنان تبقى الحلول المطروحة عبارة عن تسويات ظرفية ستسهم في تأجيل مواجهة الحقيقة الدامغة ولن تؤدي الى بناء اساس صلب ترفع عليه اعمدة الوطن الحقيقي خارج اي اطار طائفي .

قليل من الصراحة ولو كانت جارحة نقول:

ان الولوج من باب الحل ويضمن للبنان بناء دولة المواطنة العادلة يكمن في الحفاظ على مسيحية الرئاسة الاولى وذلك للحفاظ على رسالة لبنان الحصارية ولابقاء وجه لبنان مميزاً عن باقي اوطان المنطقة اضافة الى ضرورة ​الغاء الطائفية​ السياسية وخصوصاً تلك المسماة الحصص والحقوق الطائفية في جميع الوطائف الاولى و المراكز التي تشكل مفاصل الدولة وانشاء مجلس للشيوخ تتمثل به جميع طوائف لبنان واجراء ​انتخابات​ نيابية على اساس قانون عادل باعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة خارج القيد الطائفي ما يضمن بقاء لبنان كوطن للاجيال والا فاننا سنواجه تفتيت المجتمع والوطن.