اعلنت فرنسا ان وزير خارجيتها ​جان ايف لودريان​ سيزرو لبنان هذا الاسبوع لمدة يومين، للقاء المسؤولين اللبنانيين. ليس في الخبر حتى الآن ما يشيرالى وجود حدث خارج عن المألوف، ولكن الغريب فعلاً ان يستمر لودريان، وهو المعروف بخلعه القفاز الدبلوماسي عند الحديث عن لبنان ومشكلته والمسؤولين فيه، في محاولات دؤوبة وجولات مكوكيّة للخروج بشيء ما عن الموضوع اللبناني ككل. والسؤال المطروح هو انه اذا اتى الرئيس الفرنسي ​ايمانويل ماكرون​ الى لبنان لمرتين، وقاد بنفسه اكثر من جولة مع القيادات اللبنانية، وخرج بخِفّي حنين، بعد ان تلقى صدمة تلو الاخرى، فما الذي سيكون بمقدور لودريان فعله؟ ولو كانت الامور قد نضجت بشكل كامل، لما تردّد ماكرون في أن يركب موجة حماس جديدة تقوده الى بيروت لتوليد الحكومة واستنباط الحلول والقول انها اتت عن يديه.

هناك من يقول ان لودريان اتى لانقاذ المبادرة الفرنسية، وهو قول غير مقنع تماماً لان من ينقذها يجب ان يكون على مستوى الشخص الذي اطلقها اي رئيس جمهورية دولة عظمى، ان لم يكن ماكرون نفسه، والواقع يشير الى ان هذه المبادرة ستبقى حية من باب اللياقة فقط، واي حل سيعتمد سيأتي على ذكرها وبالتالي لا حاجة الى وجود وزير خارجية فرنسا لانعاشها.

اما من يعتبر ان زيارة المسؤول الفرنسي هي في سبيل الاعلان عن فرض عقوبات اوروبية قاسية على مسؤولين لبنانيين، ففي الامر مبالغة بعض الشيء. فعلى الرغم من ان لودريان معروف بـ"جرأته" تجاه المسؤولين اللبنانيين، الا ان المجيء الى بيروت لاعلان فرض عقوبات قاسية على مسؤولين فيه، لا يمكن ان يكون ضمن المسار المنطقي للامور، لان الجميع اعترف بأن ​الاتحاد الاوروبي​ لا يمكنه تخطي سقف ​الادارة الاميركية​ السابقة في ما خصّ العقوبات، وان اقصى ما يمكن الوصول اليه في هذا المجال هو اكثر من لوم واقل من عقوبة، مع الاشارة الى انه لا يمكن استفراد احد في هذا السياق، على عكس ما قامت به ادارة الرئيس السابق ​دونالد ترامب​، مستفيدة من علاقة غير وطيدة كتلك التي تربط فرنسا بلبنان. ومن المؤكد انه اذا خاطرت فرنسا واعلنت باسم الاتحاد خطوات تستهدف مسؤولين لبنانيين، فإن مبادرتها ستكون حكماً بحكم الميتة عملياً وفي متحف التسويات ورقياً.

وبذلك، من المرجح ان تكون زيارة لودريان في لبنان كالمثل اللبناني المعروف "مثل الاطرش في الزفة"، اي بمعنى آخر سيكون تواجده دون اي منفعة سريعة، ولكنهيحمل دلالات عدّة ابرزها ان الفرنسيين لا يزالون يعملون على خط الازمة، وانّ التدخّل الروسي لا يعني بأيّ حال من الاحوال انكفاءهم عن التحرك، لا بل من المرجح ان تتصاعد مساعي التنسيق مع روسيا و​الولايات المتحدة​ ومن خلالهما مع الدول العربية الاخرى، كيف يتبلور الحل بشكل يرضي الجميع، فيما سيكون الاميركيون اكثر من نشطين على خط التفاوض اللبناني- الاسرائيلي بعد ازالة عقبة الطلبات الجديدة، مع الامل في ان ينعكس هذا الامر ايجاباً ايضاً على "تسهيل" الاميركيين الحل في لبنان. انها مرحلة "تقاسم الجبنة" في المنطقة على صعيد دولي واقليمي، فيما يتلهى اللبنانيون بحصّة الجبنة القليلة التي تتوافر لهم على المدى الحغرافي اللبناني فقط، كي يثبتوا انهم قادرون على الاستمرار في الحياة العامة لفترات طويلة دون تغيير او تهديد شعبي لنفوذهم، فيقدموا بذلك اوراق اعتمادهم الى الدول الخارجيّة لتتبناهم وترعاهم في ما يصبّ في مصلحتها اولاً واخيراً، فيبقى لبنان للاسف، كرة تتقاذفها أرجل الدول الكبرى على ملعب المنطقة، ويستمر نزيفه على صعيد الهدر و​الفساد​، بغطاء دولي وموافقة عالمية تعفيه من اي عقوبات او تبعات، الى ان تتهدد مصالح الدول فيستفيق مسؤولوها و"يوترون" الاوضاع من جديد.