كنّا عندما نتحدّث عن ​رياض سلامة​ حاكم ​المصرف المركزي​ وكأننا نتحدّث عن امبراطورية لا تُمسّ، فالرجل حكم لبنان طيلة العقود الثلاثة الماضية بحماية سياسية ولم يكن يعرف أحد مفعوله الحقيقي إلا بعد إندلاع الاحتجاجات في 17 تشرين الأول 2019، يوم هُرّبت أموال اللبنانيين الى الخارج وفُقد الدولار من ​المصارف​ وأصبح اللبناني يتسوّل جنى عمره ب​الليرة اللبنانية​ وبمبالغ زهيدة...

طيلة الفترة السابقة كان الكلام عن أن إقالة رياض سلامة من حاكمية مصرف لبنان يُمكن أن يؤثّر على الليرة ويؤدي بالبلد الى الانهيار والافلاس، وكلما كان يجري حديث من أي نوع عن تعيين بديل عنه كانت تعلو أصوات تؤكّد ضرورة بقاءه في منصبه بحجّة أن الرجل "حاجة" في منصبه لضمان الاستقرار النقدي في لبنان... إنهارت الليرة وإنهار الاقتصاد ولا تزال المعزوفة نفسها.

لم يتخيّل أحد أن عرش "الامبراطور" يُمكن أن يهتزّ، فما إنتظره اللبنانيون من الداخل جاءهم من الخارج. ففي كانون الثاني الماضي، فجّرت النيابة العامة السويسرية قنبلة من العيار الثقيل وكشفت قضية إختفاء أموال، من أبرز المتهمين فيها الحاكم المذكور وشقيقه رجا سلامة، لتعود بعدها وتكشف التفاصيل في مراسلة تطرقت "النشرة" الى مكامنها في مقال بعنوان "تفاصيل "اتهام" ​سويسرا​ لرياض سلامة: "اختلاس" وبناء ثروة من المال العام؟!.

ظنّ البعض أن سويسرا هي فقط من تحرّكت على خطّ إتهام رياض وشقيقه، ولكن بالأمس القريب فُجّرت قنبلة أخرى، هي أيضاً من العيار الثقيل ولا تقلّ أهمية عن التحرك الذي تقوم به سويسرا، ولكن هذه المرّة في ​فرنسا​ إذ أعلنت جمعية Sherpa الفرنسية أنها تقدمت ومجموعة من المحامين بشكوى قانونيّة إلى المدعي المالي الفرنسي ضد رياض سلامة بشأن مزاعم فساد وغسيل أموال، بالتزامن مع الزيارة المُعلنة والمرتقبة لوزير الخارجيّة الفرنسي ​جان إيف لودريان​.

وشرحت Sherpa في بيان أن الشكوى القانونية المقدمة يوم الجمعة تتعلق بشراء عقارات "مشبوهة" في فرنسا، وأن الهدف منها هو إعادة هذه الاستثمارات إلى اللبنانيين، لافتة الى أنّها "لا تستهدف فقط غسيل الأموال في ما يتعلق بالاستعانة بمصادر خارجيّة لرأس مال كبير من أزمة خريف 2019، ولكن أيضًا الظروف المشبوهة التي بموجبها تمّ شراء بعض العقارات الفاخرة للغاية في فرنسا من قبل مسؤولين لبنانيين في السنوات الماضية".

في 16 أيلول من العام 2020 كانت "النشرة" أول من كشفت عن تحرّك لبناني بإتجاه Sherpa لحثها على التحرّك في لبنان بمقال نشرته تحت عنوان"العقوبات الفرنسية جدّية: لبنانيون يزورون "Sherpa" لحثّها على التحرك في لبنان"، ويتضمّن شرحاً عن الجمعية وطريقة عملها ومدى تأثير شكواها في ​القضاء الفرنسي​ والمسار الذي يُمكن أن تسلكه الشكوى وما النتائج الناجمة عنها، إضافة إلى نماذج في العالم تحرّكت ضدهم هذه الجمعيّة وكيف إنتهت القضيّة.

إذاً، رياض سلامة يواجه اليوم القضاء الفرنسي إضافة الى القضاء السويسري، فهل ينجح الخارج في وضع حدّ لهذه الامبراطوريّة ذات الخطوط الحمراء التي دامت عقوداً من الزمن؟!.