يوماً بعد يوم تتعقد الازمة ال​لبنان​ية وتغوص في رمال متحركة دولية في انتظار فرج من هنا او ضغط من هناك. سئم قسم من اللبنانيين (ولو انهم قلة لانهم من غير الحزبيين والمتعاطفين مع المسؤولين وزعماء الاحزاب والتيارات السياسية) هذه الحالة، وبات واقعهم يتحدث عن ضرورة تولي دولة كبرى واحدة مسؤولية ادارة البلد وليس احتلاله، في طرح يعتبره كثيرون انه بمثابة خيانة وطنية، لان الاستقلال جزء لا يتجزأ لاي بلد يتم الاعتراف به. ولكن هؤلاء يقولون ان "شعرة معاوية" هي التي تفصل بين طرحهم للخلاص وبين الخيانة، ويستندون الى معطيات كثيرة يعددون ابرزها بشكل سريع، ويعتبرون ان الانتماء الاعمى للزعماء والاحزاب هو الذي يمنع بقية اللبنانيين من رؤية حقيقة هذا الطرح.

وفي معرض سردهم لهذه الاسباب، يرى هؤلاء ان الجميع يعترف بالتدخل الدولي في لبنان، وما اتهامات التدخل والعرقلة التي توجه لدول عربية وغربية ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر (​السعودية​ و​ايران​ و​سوريا​ و​فرنسا​ و​الولايات المتحدة​ و​روسيا​ وتركيا...) سوى خير دليل على ذلك، ما يعني ان التدخل الدولي والاقليمي موجود وواقعي انما مغطى بطبقة رقيقة من اضفاء الشرعية عليه بحكم سيطرة هذه الدول وغيرها على احزاب وتيارات... ويستغرب اصحاب الطرح المذكور كيفية اتهامهم بالخيانة فيما تطالعنا وسائل الاعلام كل يوم بتصريحات ومواقف لمسؤولين ورؤساء احزاب وتيارات سياسية تدافع عن مصالح الدول قبل دفاعها عن مصالح لبنان، وتبرئها من كل تدخل بالشؤون اللبنانية بينما هذه الدول غارقة حتى اذنيها في هذه الشؤون.

ويثير هؤلاء ما تم طرحه اخيراً من احتمال عودة سوريا الى الساحة اللبنانية (ذهب البعض الى حد الاعلان عن عودة ​الوصاية السورية​) بعد الانفتاح العربي والدولي عليها، وخصوصاً من قبل السعودية، وينطلقون من المسألة السورية تحديداً للاشارة الى ان الاوضاع في هذا البلد لم تكن لتنتهي على ما انتهت اليه لولا تولي دولة كبرى هي روسيا ادارة هذا البلد وازمته، وها هي سوريا تعود من جديد الى الواجهة وقد دفعت اثماناً كبيرة في سبيل ذلك، لكنها تمكنت من النجاة وتتحضر لاستحقاقات دستورية ولمرحلة جديدة تعد بأن تكون اكثر اشراقاً وازدهاراً، كل ذلك بفعل وضع روسيا يدها على الملف السوري بالسر والعلن. ويتابعون: اما في لبنان، فقد حاولت فرنسا فعل الامر نفسه، ولكنها اصطدمت بواقع لبناني مغاير لجهة التعددية الطائفية التي تفتح الباب واسعاً امام تدخل الدول على اختلافها، وبرضى شعبي وبغطاء من الشخصيات السياسية نفسها التي "ادمنت" على البقاء و"توريث" مناصبها. والمصيبة الاكبر، وفق الفئة نفسها من اللبنانيين، هي ان غالبية الشعب تدرك ذلك ولا تحرك ساكناً، لا بل على العكس تعمل على ترسيخ هذا الامر ولو على حسابها وحساب الوطن.

وسأل هؤلاء اللبنانيون البعيدون عن كل التيارات والاحزاب السياسية: من يكون الخائن الفعلي في هذه الحالة؟ هل كان لبنان سيعيش بالفعل معضلة سياسية لسنوات تمنعه من انتخاب ​مجلس نيابي​ (تم التجديد له)، ورئيس جمهورية (لاكثر من سنتين)، وتشكيل حكومة (عدم نجاح اكثر من رئيس حكومة مكلف في التأليف لاشهر طويلة)؟ هل كنا وصلنا الى هذا الدرك من الافلاس المالي والاقتصادي؟ هل كنا لنستقبل هذا العدد الهائل من ​اللاجئين​ و​النازحين​ وتركهم على هواهم من دون اقامة مخيمات لهم تمنحهم مقومات الحياة الموقتة وتحد من خطر بعضهم على المجتمع؟.

يؤكد اصحاب طرح تولي دولة عظمى ادارة الملف اللبناني، ان لكل شيء ثمنه، وان الدولة التي ستتولى الملف اياً تكن هويتها ستحصل على مكاسب كبيرة وستولي مصالحها الاولوية وستمنع بقية الدول من التدخل بشكل فاضح واساسي في البلد وتهديد نفوذها، وستفرض في كثير من الاحيان موقفها الخارجي، ولكنهم يرون ان كل هذه الامور تحصل اصلاً في لبنان انما بصورة اكثر قساوة وبشكل اسوأ بكثير مما يحصل اليوم، مع فارق اساسي وهو ان هناك عدة دول بدلاً من الدولة الواحدة.

ويرى هؤلاء ايضاً ان طرحهم لا يمكن ان يبصر النور، ليس من باب الوطنية، انما تحت هذا الستار فقط، لانه يؤدّي الى مرجعية واحدة والى تضاؤل نفوذ آخرين، وهو امر لا يمكن ان يقبل به اللبنانيون "المستقلون".