في الأيام الماضية، بات طرح إعتذار رئيس ​الحكومة​ المكلف ​سعد الحريري​ من المهمة طاغياً، إنطلاقاً من العراقيل القائمة على المستوى الداخلي، بالإضافة إلى التحول في الموقف الفرنسي، حيث أصبحت ​باريس​ تحمّل مختلف الأفرقاء المسؤولية عن التعطيل، وتهدّدهم ب​عقوبات​ قاسية في حال استمر الواقع على ما هو عليه اليوم.

في هذا الإطار، "​التيار الوطني الحر​" هو من أبرز الداعين إلى إعتذار رئيس الحكومة المكلّف، بالإضافة إلى بعض قوى وشخصيات تدور في فلك قوى الثامن من آذار تعتبر أن البلاد في طور الدخول في مرحلة سياسية جديدة، إنطلاقاً من اللقاء السعودي السوري التي تم الكشف عنه قبل أيام.

مجمل هذه الدعوات تأتي في إطار الحديث عن أن هناك قراراً حاسماً بالتضحية بالحريري، من قبل قوى إقليمية ودولية، لكن في المقابل لدى مصادر سياسية مطلعة قناعة بأن ما يحصل لا يخرج عن إطار الضغط النفسي على رئيس الحكومة المكلف، لا سيما أن ​وزير الخارجية​ الفرنسية جان إيف لورديان لم يتحدث، خلال زيارته إلى ​بيروت​، عن إنتهاء مبادرة بلده بشكل حاسم.

على الرغم من ذلك، تشير هذه المصادر، عبر "النشرة"، إلى أن إقدام رئيس الحكومة المكلف على هذه الخطوة قد يدخل البلاد في مرحلة طويلة من الفراغ، نظراً إلى أن من الصعب الإتفاق على أي شخصية أخرى لتولي المهمة، خصوصاً أن قوى الأكثرية النيابية غير قادرة على ذلك في ظل الخلافات في وجهات النظر بين أركانها.

من وجهة نظر المصادر نفسها، أغلب تلك القوى اليوم مؤيّدة لما يقدمه رئيس الحكومة المكلف من مبررات، خصوصاً "​حركة أمل​" و"​الحزب التقدمي الإشتراكي​" وتيار "المردة" وعدد من النواب المستقلين كنائب رئيس ​المجلس النيابي​ ​إيلي الفرزلي​، في حين أنّ "​حزب الله​"، الذي هو أقرب إلى الحياد في الصراع القائم بين تيار "المستقبل" و"التيار الوطني الحر"، لا يفضل المغامرة بأيّ خيار جديد من دون الإتفاق مع الحريري.

بناء على ما تقدم، تعتبر المصادر السياسية المطلعة أن ليس هناك الحد الأدنى من التفاهمات حول الخطّة البديلة، لا بل تذهب إلى الحديث عن صعوبة التوصل إلى مثل هذه التفاهمات، وبالتالي إعتذار رئيس الحكومة المكلّف قد يقود إلى المزيد من التعقيد، لا سيما أن المرجح ألاّيذهب إلى التعاون مع قوى الأكثريّة للتفاهم على مرشح آخر، الأمر الذي قد يفجّر الخلافات بين تلك القوى على نطاق واسع.

بالنسبة إلى هذه المصادر، قد يكون من مصلحة الحريري الشخصية، في هذه المرحلة بالذات، الذهاب إلى خيار الإعتذار عن التشكيل، على قاعدة رمي الكرة في ملعب ​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​ ورئيس "التيار الوطني الحر"، خصوصاً مع إقتراب موعد ​رفع الدعم​ عن السلع الأساسيّة، حيث ستكون المسؤوليّة، على الأقل من الناحيتين السياسية والإعلامية، تقع على عاتقهما، بينما هو يستطيع التحجّج بإفساح المجال أمام الخيارات البديلة، وبالتالي الخروج من دائرة الإتّهام بالعرقلة.

في مثل هكذا سيناريو، ترى المصادر نفسها أنّه بحال نجحت قوى الأكثرية النيابية بالإتفاق على بديل، يستطيع رئيس الحكومة المكلّف أن يبدأ التحضير للإنتخابات النّيابية المقبلة من الموقع المعارض، في حين من الصعب أن تكون تلك الأكثرية قادرة على تأمين الدعم لحكومة شبيهة بحكومة ​تصريف الأعمال​ الحاليّة، الأمر الذي سيجعلها غير قادرة على الصمود في وجه التحدّيات الإقتصاديّة والإجتماعيّة التي ستواجهها.

في المحصّلة، إعتذار الحريري يعني بالدرجة الأولى إستمرار حكومة تصريف الأعمال الحاليّة ب​رئاسة​ ​حسان دياب​ لفترة أطول، مع ما يعني ذلك إستمرار حالة ​العجز​ القائمة في مواجهة الملفات الحساسة التي تواجهها البلاد، الأمر الذي قد يمتدّ حتى موعد ​الإنتخابات النيابية​ أو فتح الباب أمام موجة واسعة من السيناريوهات، خصوصاً إذا ما قررت كتلة "المستقبل" الإستقالة من المجلس النيابي.