لم يأتِ الكلامُ عن إعتذار رئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​ عن التأليف من فراغ، ولا بسبب وصوله إلى حائط مسدود في عملية ترتيب أمر حكومته التي كانت مرتقبة الولادة منذ أشهر، بل إن رغبةَ الحريري في طيّ صفحة تكليفه نابعةٌ من رصده معلومات تفيد بتخلي عواصم عربية وغربية وإقليمية عن الدعم والحضانة الدولية التي نمت عبرها "الحريرية السياسية".

لمس رئيس الحكومة المكلّف تراجعاً فرنسياً عن مواكبته، تجلّى بتحويل باريس ملف ​الحكومة اللبنانية​ من ​الإليزيه​ الى ​وزارة الخارجية​ الفرنسيّة. لذلك جاء وزير الخارجية الفرنسي ​جان ايف لودريان​ إلى بيروت ليعلن عن إشمئزاز الفرنسيين من سوء التعاطي السياسي اللبناني في إدارة أزمة بلادهم. وكان اللافت أنّ لودريان لم يزر بيت الوسط، بل هو طلب من الحريري المجيء إلى قصر الصنوبر، فإعتبرت الخطوة إظهاراً فرنسياً واضحاً عن تغيير السياسة الفرنسيّة إزاء الحريري. علماً أن الوزير الفرنسي لم يكن يريد لقاء رئيس الحكومة المكلّف، رغم تمني رئيس مجلس النواب نبيه بري على لودريان أن يلتقي رئيس الحكومة المكلّف خلال زيارته، كما ذكرت المعلومات، مما جعل الفرنسيين يستدعونه الحريري الى السفارة الفرنسية، وهو أمر أضرّ بالأخير الذي قيل في بيروت أنّه تنازل عن "هيبة" الموقع الذي يتواجد فيه كرئيس مكلّف تأليف الحكومة، وذهب للقاء وزير خارجية في سفارة: لا يجوز بروتوكولياً لوزير خارجية أن يذهب للقاء نظيره في سفارة بلاده، فكيف برئيس حكومة سابق ورئيس مكلّف تأليف الحكومة ذهب للإجتماع بوزير خارجية في سفارة؟ .

يعني ذلك أنّ وضع الحريري بات صعباً دولياً، في عز إنقطاع علاقته بالسعودية التي لا تتدخل علناً بالشؤون اللبنانية، الاّ أنها تفضّل شخصيات أخرى لتولي زمام الزعامة السنّية الإسلامية في لبنان، بعدما طوى ​ولي العهد السعودي​ محمد بن سلمان صفحة الحريري بشكل نهائي، رغم المساعي المصرية لترتيب وضعه في ​المملكة العربية السعودية​.

وعليه، تتجه الأنظار لمعرفة الشخصية السياسية التي تحظى بتمثيل لبناني مقبول وحضانة دولية ودعم عربي. يبرز إسم رئيس حزب الحوار الوطني النائب ​فؤاد مخزومي​، لعدة أسباب: نائب عن بيروت التي لها رمزية سنّية ووطنية. يترأس حزباً سياسياً داعماً للحراك الشعبي. يتمتع بعلاقات دولية واسعة تجلّت منذ أيام بتعدد إشارات المسؤول الأميركي ديفيد هيل تجاه مخزومي في آخر زيارة للموفد الأميركي إلى بيروت. ينحاز رئيس حزب الحوار في مواقفه الإقليمية للبُعد العربي وهو ما يعطيه دفعاً في المرحلة المقبلة، خصوصاً من السعودية والإمارات و​دول الخليج​ الذين ينفتحون على سوريا حالياً، مما يؤثر إيجاباً على الساحة اللبنانية، في وقت يحتاج فيه لبنان الى دعم مالي للخروج من أزمته الإقتصادية الكارثية. يحظى مخزومي بدعم وقبول ​رئيس الجمهورية​ ميشال عون الذي يحتاج الى تكامل جهوده مع دور رئيس الحكومة، فينسجمان معاً لبت أمور إصلاحية يحتاجها البلد في هذه المرحلة الحسّاسة.

كل ذلك يعزّز من إمكانية ان يكون مخزومي هو البديل لتولي ​رئاسة الحكومة​، لكن السؤال: كيف ومتى يعتذر الحريري؟ لا يوجد أيّ أجوبة واضحة، رغم أن هناك معلومات تقول: قد يستفيق اللبنانيون قريباً على قرار خروج الحريري من اللعبة الحكومية.