رأت مصادر رسمية فرنسية لـ "​الشرق الاوسط​" إنه "حان الوقت من أجل مراجعة معمقة لمسار المبادرة الفرنسية منذ انطلاقها وحتى اليوم وللأسباب التي آلت إلى إخفاقها"، علماً بأنها كانت "مبادرة إنقاذية" أساسها خريطة طريق واضحة ومحددة وهدفها الأوحد "منع انهيار ​لبنان​". كذلك لم تكن "تتطلب كثيراً من التضحيات" من الطبقة السياسية اللبنانية، مكتفيةً بالدعوة إلى تشكيل حكومة توحي بالثقة للأسرة الدولية والقيام بمجموعة إصلاحات تصرّ عليها هذه الأسرة دورياً من أجل مد يد ال​مساعدة​ للبنان. ورغم ذلك، فشلت هذه المبادرة في ليّ ذراع السياسيين اللبنانيين الذين أغرقوها في ​تفاصيل​ اللعبة السياسية الداخلية وتشعباتها الخارجية.

ورأى سفير فرنسي سابق مطلع على خفايا دبلوماسية بلاده أن الخطأ الأول الذي ارتكبته ​باريس​ يتمثل في أن الرئيس ​ماكرون​ الذي كان أول من سارع بالتوجه إلى ​بيروت​ بعد يومين فقط من ​انفجار​ المرفأ في 4 أب الماضي، "لم يستغل الفرصة المتاحة والاستثنائية لفرض تنفيذ رؤيته مستفيداً من كون الطبقة السياسية بما فيها ​رئاسة الجمهورية​ و​الحكومة​ والأحزاب في حال وهن شديد وعديمة القدرة على مقاومة الضغوط". والخطأ الثاني أن باريس وفّرت الوقت اللازم للسياسيين الذين أعادت تأهيلهم بشكل غير مباشر من خلال جعل الخلاص عن طريقهم، لالتقاط أنفاسهم متجاهلةً أن لديهم قدرة فائقة على "امتصاص الصدمات والأزمات". والخطأ الثالث أن الرئيس الفرنسي شدد على "المحفزات" التي عرضها على ​الدولة​ وعلى السياسيين مثل الدعوة إلى ​مؤتمر​ دولي لمساعدة لبنان والوقوف إلى جانبه في عملية التفاوض مع ​صندوق النقد الدولي​ وإعادة إعمار ما هدمه الانفجاران وتوفير المساعدات الإنسانية وغيرها من وسائل "الإغراء". والحال أنها، من جهة، لم تكن كافية لإقناعهم بقبولها والسير بخطته الإنقاذية. ومن جهة أخرى، لوّح ماكرون باتخاذ إجراءات قسرية وجزرية "أي ​عقوبات​" بحق الممانعين والمعطلين ولكن من غير إبراز نوعية العقوبات ومدى جديتها. وبكلام آخر، يضيف السفير السابق، أن السياسيين رأوا أن "الهراوة" التي لوّح بها "لم تكن لا مرئية بشكل كافٍ ولا غليظة إلى درجة أنها تضر بمصالحهم الأساسية وتدفعهم لمراجعة حساباتهم". والخلاصة أن التهديد بالعقوبات لم يكن ولن يكون "رادعاً" بل يتعين الكشف عنها صراحة وعن الأطراف التي تطالها وعن التدابير الإضافية التي تستطيع باريس اتخاذها إنْ على المستوى الفردي أو الجماعي.