بات من شبه المؤكد أنّ الملفّ الحكومي، بما يحمله من عراقيل وتعقيدات، رُحّل إلى ما بعد عطلة ​عيد الفطر​، التي من المفترض أن تفتح الباب أمام مجموعة واسعة من الخيارات، لا سيما أنّ البلاد حينها ستكون على موعد مع تحدّيات كبيرة، أبرزها حسم مسألة ​رفع الدعم​ عن السلع الأساسيّة، التي كانت قد بدأت، بشكل رسمي، عن غالبيتها.

بالتزامن، بدأت تدور في بعض الأوساط معلومات عن أن بعض المجموعات المدنية بدأت تعدّ العدّة للعودة إلى الشارع، مستفيدة من التطورات التي تشجع على هذا الأمر، خصوصاً بعد أن حصلت على دعم من وزير الخارجيّة الفرنسيّة ​جان إيف لودريان​، الذي دعاها إلى التوحّد والاستعداد للانتخابات النّيابية المقبلة في العام 2022.

هذا الواقع، يدفع بعض المصادر السياسية إلى الحديث عن أن المرحلة المقبلة ستكون أمام سيناريوهات محدّدة، عنوانها الأساسي كيفيّة تعامل القوى السّياسية الفاعلة مع ​الأزمة​، لا سيما أنها لن تكون قادرة على البقاء في موقع المتفرج، حيث عليها المبادرة قبل أن تجد نفسها أمام تعقيدات إضافية لا طاقة لها على تحملها.

انطلاقاً من ذلك، تشير هذه المصادر إلى أنّ بعض هذه القوى بدأت بالعمل على اعادة تفعيل قنوات الاتصال مع الأفرقاء الأساسيين المعنيين بالملف الحكومي، أيّ رئيسي ​الجمهورية​ ​ميشال عون​ و​الحكومة​ المكلف ​سعد الحريري​، لمعرفة مدى امكانيّة الذهاب إلى إعادة تفعيل المشاورات بينهما، خصوصاً أنّ هذا الأمر هو البوابة الأساسية لولادة الحكومة المنتظرة.

وتلفت المصادر نفسها إلى أن هذا الأمر هو الذي دفع رئيس الحكومة المكلف إلى التروي في خطوة الاعتذار عن المهمّة، التي كانت بعض القيادات في تيار "المستقبل" قد عمدت إلى التلويح بها في الأيام الماضية، خصوصاً بعد التحول الذي حصل في الموقف الفرنسي من الأزمة، لناحية وضعه في مصاف المعرقلين.

انطلاقاً من ذلك، ترى مصادر نيابية في قوى الثامن من آذار، عبر "النشرة"، أن البلاد قد تكون، بعد الفطر، أمام فرصة كبيرة لانجاز تسوية حكومية، نظراً إلى أن أياً من الأفرقاء السياسيين لن يكون مستفيداً من تدهور الأوضاع أكثر، لا سيما إذا ما تحولت العقوبات التي تهدّد بها ​فرنسا​ إلى أمر واقع، مع العلم أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية، مع اقتراب موعد رفع أو ترشيد الدعم، لم تعد تحتمل المزيد من التأخير.

من وجهة نظر هذه المصادر، هذه التسوية قد لا تقوم على بقاء رئيس الحكومة المكلّف في موقعه، حيث من الممكن أن يقوم بتسمية شخصيّة أخرى لتولي المهمة، بسبب الخلافات التي تعتري علاقته مع رئيسي الجمهورية و"​التيار الوطني الحر​" النائب ​جبران باسيل​، الأمر الذي يوحي بصعوبة التوافق بينهم، حتى ولو نجحوا في الاتفاق على ​تشكيل الحكومة​، وبالتالي فتح المجال أمام حكومة تتولى إدارة المرحلة حتى موعد ​الانتخابات​ النيابية المقبلة.

بالنسبة للمصادر نفسها، في حال الفشل في الوصول إلى تسوية فإن البلاد ستكون على موعد مع تدهور حادّ في الأوضاع، سواء أقدم الحريري أو قرّر الاحتفاظ بورقة التكليف، خصوصاً أنه بالإضافة إلى الأزمات المعيشيّة المعروفة هناك تحالف سياسي جديد في البلاد، يتكون من "​تيار المستقبل​" و"​حركة أمل​" و"​الحزب التقدمي الاشتراكي​" وتيار "المردة"، لن يقبل بأن يكون رئيس الحكومة المكلّف بعيداً عن أيّ حل.

في المحصّلة، تتقدم الظروف الضاغطة على فرص التسوية في الوقت الراهن، الأمر الذي قد يضع جميع الأفرقاء أمام مسؤولياتهم لانجاز ​التشكيلة الحكومية​ بأسرع وقت ممكن، لكن التجارب الماضية أثبتت أن القوى السياسية اللبنانية تفتقد، في معظم الأحيان، إلى الحدّ الأدنى من المسؤولية الوطنيّة، وبالتالي هي قد تأخذ البلاد إلى مغامرة خطيرة غير محسوبة النتائج أو التداعيات.