منذ ان بدأ الوضع في ​لبنان​ بالتدهور، طرح البعض اجراء انتخابات نيابية مبكرة، وبعد نحو سنتين على الوضع المأساوي في البلد، هناك من التزم بهذا الخيار وبقي ينادي به، وهناك من انتقل الى خيارات اخرى، وهناك من انضم حديثاً الى قطار الانتخابات. في المبدأ، تعتبر الانتخابات الوسيلة الديمقراطية الامثل لحسم التوجهات السياسية، وتعتمده الكثير من الدول المتطورة والراقية. ولكن في لبنان، هناك الكثير من المعطيات التي تجعل الانتخابات بمثابة "كابوس" للجميع من دون استثناء، بمن فيهم الشعب نفسه. ومع التسليم بمبدأ ان الانتخابات لن تفرز بأيّ حال من الا حوال تغييراً جذرياً للوضع السياسي والخيارات السياسية، بل قد تؤثر فقط في بعض المقاعد التي لا تقدم ولا تؤخر للصورة العامة، فإن التجربة لا تضرّ، ولا خسارة بمطلق الاحوال لان المصيبة واقعة ولن تزيدها الانتخابات سوءاً بطبيعة الحال.

وعلى الرغم من ذلك، لا يبدو الحماس ظاهراً على اي طرف من اللبنانيين، صحيح ان هناك حفنة من النواب قدمت استقالتها، ولكنها مستعدة لخوض الاستحقاق مجدداً وفي اقرب فرصة ممكنة، وهو ما ظهر جلياً في التحضيرات للانتخابات الفرعيّة التي لا يزال مصيرها مجهولاً. هذا اللاحماس للانتخابات، يقابله حماس زائد في الاعلام ومطالبات يوميّة في العلن بوجوب اجرائها، فيما يتمّ العمل في السرّ على تقويض هذا الامر واحباط كل المحاولات الجدّية في هذا المجال. ومع تكرار التأكيد انّ الدفّة لن تتغير بشكل كبير لصالح خط سياسي على آخر، وسيبقى الستاتيكو على حاله تقريباً مع بعض التغييرات المحدودة، الا ان القلق على عدد المقاعد ونسبة النفوذ هي التي تطغى على الاحزاب والتيارات السياسية وتجعلها ترجئ البحث في اي مسعى من شأنه ان يضع العمل على تقريب موعد الانتخابات على السكة الصحيحة. فالخلاف سيستحكم اولاً عل ​القانون الانتخابي​ ووجوب تغييره او تعديله بطريقة لن ترضي كل الاطراف حتماً وهو ما سيؤدي الى المماطلة في اقرار اي قانون جديد، ليعود العمل بالقانون الحالي وفق القاعدة التي جعلته يبصر النور سابقاً. ولا يغفل احد ما يتم الحديث حوله عن تمديد ولاية ​المجلس النيابي​ نظراً للاوضاع الراهنة والتي تجعل من الصعب التحضير للانتخابات، لكنه خيار يبدو انه يلاقي "فيتو" خارجي عليه بمعنى ان الدول الاخرى لن تقبل بالتمديد مهما كانت الذرائع، لا بل ترضى بالتعايش مع اعادة فرز السيناريو نفسه من حيث اعداد الاحزاب والتيارات السياسية في البرلمان، معتبرة اياه اقل وطأة من خيار التمديد.

ويحاول البعض ايهام الناس ان المشكلة الرئيسية تكمن في ان البرلمان الجديد سيحدّد هوية رئيس الجمهورية المقبل، وهو امر في غاية السذاجة، لان الجميع يعلم ان انتخاب الرئيس في مجلس النواب هو اجراء شكلي فقط، بعد ان يكون قد تم الاتفاق على الاسم سلفاً وبرضى اقليمي ودولي، ولم نشهد في التاريخ اللبناني الحديث ايّ انتخاب فعلي لرئيس جمهورية من دون موافقة مسبقة عليه من الخارج.

المعركة الحقيقية اذاً تقوم على مسألة الحكومة وليس على مسألة ​الانتخابات النيابية​، لان المجلس النيابي غائب عن ممارسة صلاحياته واهمها مراقبة الحكومة واعمالها، ولن يغيّر في المعادلات اذا تم تأجيل ​الانتخابات الرئاسية​ او حصول فراغ كما شهده لبنان سابقاً، لان السلطة ستكون في تلك الحالة بيد الحكومة مجتمعة، وستتمكن من تقرير ما تريد في ظل ظروف تعتبر استثنائية وضاغطة، وما ادراك ما سيتخذ عندها من قرارات ومواقف ستعمد الى ترسيخ نفوذ الاحزاب والتيارات السياسية المشاركة فيها، وبالتالي تزيد من شعبيتها.

وبعد كل ذلك، هل فعلاً يرى اللبنانيون ان الانتخابات هي الحل؟.