العدوان الاسرائيلي على غزة ومحاولات تدنيس ​المسجد الاقصى​ واخلاء حي "الشيخ جراح" في القدس والهبات الشعبية المقاومة في الداخل، انعكس توترا كبيرا على ​لبنان​ ومخيماته ال​فلسطين​ية وطرح سؤالين بارزين تزامنا مع احياء الذكرى الثالثة والسبعين لنكبة فلسطين، هل تفتح الجبهة ​الجنوب​ية لدعم ​المقاومة الفلسطينية​ عسكريا: بعد اطلاق ثلاثة ​صواريخ​ "مجهولة" من منطقة القليلة في صور، وشعبيا: بعد وصول العشرات من الشبان اللبنانيين و​الفلسطينيين​ الى الشريط الشائك وسقوط محمد طحّان من بلدة ​عدلون​ واكثر من عشرة جرحى خلال يومين ​اصابات​ غالبيتهم طفيفة.

وتؤكد مصادر فلسطينية لـ"النشرة"، ان السؤالين سبق وان ترجما في المشهد اللبناني المتداخل والمعقد سياسيا وأمنيا وسط الخلافات بين قواه وفي ظل ازمة اقتصادية وصحية ومعيشية خانقة تسير به نحو الانهيار الكبير، اذ اطلقت صواريخ من الجنوب وأكثر من مرة،"نصرة" للانتفاضة الفلسطينية دون الاعلان عن هوية مطلقيها، ولكنها جاءت في اطار "الرسالة" التحذيرية باننا "لن نقف مكتوفي الايدي ازاء العدوان على غزة، وانّه لا يمكن فصل مسار مقاومة "اسرائيل" عن بعضهما البعض في المحطات المصيرية، وهذا ما جرى التلميح اليه بأن ايّ حرب قادمة لن تقتصر على جبهة بعينها بل ستفتح جبهات أخرى ويخوض غمارها قوى "محاور الممانعة" على قاعدة ان أي معركة تعتبر وجوديّة ومصيريّة وتغير خريطة المنطقة.

فيما ترجمت "الهبة الشعبية" في ذكرى نكبة فلسطين في 15 أيار عام 2011، حين نظم اللاجئون مسيرة إلى "مارون الراس" الحدودية، تحت شعار "الشعب يريد العودة" تزامنا مع مسيرات مماثلة في ​الجولان​، ​الاردن​، الضفة، غزة ومصر، وإندفع ​الشباب​ نحو الأسلاك الشائكة، وبدأتاسرائيل ب​إطلاق النار​ عليهم، فسقط ستةأشخاص ومن مختلف المخيمات وهم "محمد الصالح، محمود سالم، عماد أبو شقرا، وعبد الرحمن صبحه ومحمد أبو شليح وخليل أحمد" وأكثر من مئة جريح في يوم دموي.

​​​​​​​وبين السؤالين، تجمع القوى الفلسطينية بمختلف انتماءاتها السياسية الوطنية والاسلامية على عدم وجود قرار بفتح الجبهة العسكرية ولا باي شكل من الاشكال لاسباب كثيرة، منها ما يتعلق بالتوقيت غير المناسب وعدم الرغبة بحرف الانظار عما يجري في الداخل من مجازر اسرائيلية يقابله الصمود، ومنها ما يتعلق بوضع لبنان المعقّد والمتداخل وثمة خلافات وحسابات تتجاوز كل الساحات، وقد تؤدي الى انجرار لحرب اقليمية لا يعرف احد كيف تنتهي.

​​​​​​​وعدم وجود قرار بفتح الجبهة عسكريا، لا يعني وقوف موقف المتفرج او مكتوفي الايدي، فالهبات الشعبية من المخيمات الى الحدود الجنوبية ستستمر في اي وقت تبعا لتطورات العدوان في الداخل، ولكنها ستبقى مضبوطة الى حد كبير، كما جرى في اليومين الماضيين، وتتراوح بين تنفيس الغضب والتعبير عن التضامن وبين عدم الانجرار الى مواجهة، وقد جرت اتصالات فلسطينية–لبنانية، سياسية–أمنية لتقييم الموقف من السماح بالتوجه الى الجنوب، خاصة بعد سقوط محمد طحان، وكان الاتجاه الاولي التشدد في الاجراءات الامنية والمنع، ولكن جرى التوافق ضمنيا على "غض الطرف" عن الوصول الى الجنوب،عدم توجيه دعوات منظّمة من الفصائل الفلسطينيّة واقتصارها على دعوات الحراك المدني والشبابي والشعبي، مقابل التشدّد في منع الوصول الى الشريط الشائكأواجتياز الحدود اللبنانية حتى لا تتصاعد الامور او تفتح جبهة في توقيت غير مناسب، وان وصول البعض الى الشريط او تسلق الجدار الاسمنتي او تكسير كاميرات المراقبة بقي عملا فرديا وانفعاليا ناجما عن غضب شبابي لا يمكن ضبطه في هكذا اوضاع.

​​​​​​​

ويؤكد ممثل حركة "حماس" في لبنان الدكتور ​احمد عبد الهادي​ "ابو ياسر" لـ"النشرة"، ان "لا قرارا فلسطينيا او رغبة بفتح الجبهة الجنوبية عسكريا لدى أي من القوى الفلسطينية"، مشيرا الى ان"مثل هذا الاقتراح أولا لم يطرح، وثانيا ان التوقيت غير مناسب الان امام التطورات المتسارعة في الداخل، ولكن ​الشعب الفلسطيني​ مصمم على نصرة ابناء شعبه في الداخل على اعتباره شعب واحد ولبنان جزء من الشتات"، قائلا ان "التوجه الشعبي الى الحدود الجنوبية يحمل عدة رسائل تتجاوز معاني التضامن ورفض العدوان الى التأكيد على التمسك بالحقوق الفلسطينية والتوابث الوطنية ومنها ​حق العودة​، تزامنا مع احياء الذكرى السنوية لنكبة فلسطين"، معتبرا ان "هبة ابناء المخيمات ليست جديدة عليهم، وقد سبقوا في العام 2011 ان توجهوا الى الحدود وسقط منهم شهداء في سبيل الدفاع عن قضية فلسطين، ناهيك عن انه تأكيد على تلاحم الدم الفلسطيني الواحد".

ويوضح عبد الهادي، ان "المسيرات والتظاهرات والوقفات التضامنيّة والاعتصام ومنها على الحدود الجنوبية، اقل الواجب تجاه الصامدين في الداخل الذين يدافعون عن القدس والاقصى وغزة بأرواحهم ودمائهم الزكية، ونحن كقوى سياسية حريصون على عدم تعقيد الاوضاع اللبنانية الداخليةوالتنسيق مع القوى اللبنانية على تنظيم فعاليات ونشاطات مشتركة تؤكد على حقنا في الدفاع عن ارضنا وتحرير والعودة"، مشددا في الوقت ذاته على "اننا نسعى الى تفعيل العمل الفلسطيني المشترك ليكون الموقف موحدا على قاعدة ان العدو واحد ونحن سويا في مواجهة مخططاته وجرائمه".

​​​​​​​في المقابل، اعتبر القيادي الفتحاوي اللواء منير المقدح أن "لا قرار فلسطيني بفتح الجبهة اللبنانية او حتى إطلاق صواريخ كالتي أطلقت من محيط القليلة، وقال لـ"النشرة": ولكن اذا تطلب الامر مساندة غزة وفي اي وقت، فنحن قادرون على الوصول الى "تل ابيب" بأقدامنا كما تصل صواريخنا من غزة"، مشددا "بعد ثلاثة وسبعين عاما من النكبة زحف ابناء المخيمات الى الحدود ليؤكدون انه من حقهم الدخول الى ارضهم ومساندة شعبهم حتى ولو استشهد البعض منهم"، موضحا ان "الشعب سبق القيادات في الداخل والخارج وفي دول الطوق والشتات، وبرهن انه شعب واحد في الضفة الغربية والقدس واراضي الثماني واربعين وغزة والشتات، وانهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، فالشعب واحد ويستطيع ان يسطر اقوى الملاحم في وجه العدو"، خاتما ان "انتفاضة القدس هي بداية نهاية اغتصاب فلسطين واحتلالها وان النصر بات قريبا لاقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وقد آن اوان الشعب الفلسطيني أن ينال حريته ويحرر أرضه وأن المفاوضات ليست إلا لتضييع الوقت والأرض".