اذا تمعنا في تاريخ البشرية وغصنا في التفاصيل، لوجدنا أن الغيرة والحسد أخطر المعاصي التي تضرب حياة البشر.

كتب بولس الرسول: الْمَحَبَّةُ لاَ تَحْسِدُ" (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 4:13)، إنطلاقًا من هذه الآية أجزم أن الحسود لا يعرف الله، لأن الله محبة.

الكتاب المقدّس غني بالآيات التي تشير إلى الغيرة والحسد وقد تناول بطرس الرسول هذا الموضوع فكتب: "فَاطْرَحُوا كُلَّ خُبْثٍ وَكُلَّ مَكْرٍ وَالرِّيَاءَ وَالْحَسَدَ وَكُلَّ مَذَمَّةٍ"(رسالة بطرس الرسول الأولى 2: 1)، إشارة هنا إلى ضرورة أن يترك ​الإنسان​ الحسد الذي به يطلب الفشل لأخيه. هذا الباعث هو الذي دفع الشيطان لمهاجمة آدم، والذي به أسلم اليهود الرب يسوع للصليب.

الحسد يتعارض مع هدوء القلب. وحالة القلب الداخلية تؤثر على ​الحياة​ كلها وعلى صحة الجسد. فالقلب المملوء حبًا وسلامًا يكون صاحبه في صحة جيدة، أما الذي يعيش على الحسد والغيظ فيستهلك صحة جسده وتنخر عظامه. فليعلم الحاسدون أنه إذا استبدَّ بهم هذا الحسد المدمر الدفين، فإنهم يقضون على كل ما هو خير وصالح في داخلهم، لذلك قيل في سفر الأمثال: "حياة الجسدِ هدوءُ القلبِ، ونَخْرُ العظامِ الحَسَد"(أم 14: 30).

الحسد -كشعور- موجود. فنحن نعرف أن قايين حسد أخاه هابيل. ويوسف الصديق حسده أخوته. و​السيد المسيح​ أسلمه كهنة اليهود للموت حسدًا.

وقد ذكر ​القرآن الكريم​ في أكثر من موضع الحسد باعتباره شرا مستطيرًا، وقد نهى الإسلام عن البغض والحسد. وورد في سورة الفلق هذه الآية: "وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ"(الفلق - 5)، والحاسد هنا، هو الذي يحب زوال النعمة عن المحسود فيسعى في زوالها بما يقدر عليه من الأسباب، فاحتاج إلى الاستعاذة بالله من شره، وإبطال كيده.

في كل حياة اجتماعية هناك دوماً تنافس وصراع بين الأفراد على الموارد ومصادر العيش، وعلى مصادر القوة والسيطرة، وعلى السعي لتحقيق المكانة العالية، فالسعي للتفوق وتحقيق المكانة العالية بالتنافس والصراع هم أساس نشوء غريزة وانفعال الغيرة والحسد، والغيرة تحدث عندما يحدث الفشل ويتفوق الآخر. من هنا نجد هذا الواقع في صفوف السياسيين في وطننا، وفي صفوف الأحزاب والعائلات، وتحديداً بين الأخوة والأقارب. مع الإشارة إلى أّن الغيرة في الأوساط النسائية طبيعة أنثوية أكثر منها لدى الرجال. وقمّة هذه الغيرة مترجمة في علاقة الكنّة وحماتها.

هناك مثل شائع: "الحسد يقتل صاحبه". قصة هذا المثل تعود إلى رواية يونانية، حيث أقام المواطنون في اليونان القديم تمثالاً لبطل مشهور من أبطال الرياضة، وكان ينافسه رجل آخر، فحسده، وأقسم أن يحطم تمثاله.

وأخذ يتردّد هذا الحاسد كل ليلة تحت جنح الظلام إلى مكان التمثال ويحفر تحت قاعدته في محاولة لإزالته من أساسه. وأخيرًا نجح في إسقاط التمثال، ولكنه سقط عليه وسحقه. وذهب الرجل ضحية حسده.

عزيزي القارئ أنصحك بأن تصبر على الحسود، فكما قال الشاعر:

اصبر علي كيد الحسود فإن صبرك قاتله

فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله.