زاد التوتر السياسي على خط بعبدا-بيت الوسط بعد رسالة رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ إلى ​المجلس النيابي​. وإذا كان ​الدستور​ يجيز لرئيس الجمهورية القيام بتلك الخطوة بموجب مضمون الفقرة 10 من المادة 53 في الدستور، الاّ أن مضمونها وابعادها ساهما في رفع مستوى حرارة الإشتباك السياسي القائم بين التيارين "الوطني الحر" و"المستقبل". يُقال هنا إن فريقي الرئيس عون ورئيس ال​حكومة​ المكلّف ​سعد الحريري​ يحاولان توظيف خطوة بعبدا عبر إيحاء كل منهما بأن موقفه يندرج في إطار معركة الصلاحيات، بينما يظهر ان الهدف العملي هو شد العصب الطائفي عند الفريقين. هنا تكمن الخطورة عبر الإستمرار بالتصعيد السياسي بدل التوجه نحو التهدئة تمهيداً لطرح الحل الحكومي المطلوب. لكن الساعات الماضية سجّلت محاولة رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​ سحب فتيل أزمة الرسالة على خطي التيارين الأزرق والبرتقالي، وبالتالي تبريد حرارة الإشتباك السياسي، غير أن مضمون الرسالة الرئاسية أزعج الحريري الذي جهّز كلمة للرد سيتلوها في جلسة السبت، فماذا بعد؟.

توحي المعطيات أن كلا الفريقين الأزرق والبرتقالي يستمر في رمي كرة مسؤولية تعطيل ال​تأليف​ الحكومي في ملعب الآخر، في ظل عدم وجود أي أفق للحل حتى الآن. واذا كان بري أظهر حكمته المُعتادة في التعامل مع الرسالة الرئاسية، عبر الإكتفاء بالتلاوة نهار الجمعة ورفع الجلسة الى اليوم السبت، ومحاولته إطفاء الحريق بين الفريقين وإمتصاص الغضب المتبادل بينهما الناتج عن تفسير أبعاد الرسالة الرئاسية، إلاّ أن كل فريق يتمسك بآرائه الدستورية والسياسية التي يدافع عنها.

وأمام التباينات وتعدّد التفسيرات والإجتهادات، سيكون الثابت الوحيد هو أن أي تغيير دستوري سيحتاج إلى تعديل، وهو ليس متوافراً ولا نيّة ولا قدرة بشأن فرضه واقعاً حالياً.

كل ذلك يؤكد أن الأزمة السياسية مستمرة في ​لبنان​، علما ان الحاجة تزداد أكثر لتأليف حكومة جديدة تدفع البلد إلى سكة المعالجات السياسية والإقتصادية والمجتمعية.

يحدث كل ذلك في الداخل، بغياب أي تدخل خارجي إيجابي وازن بعد تجميد المبادرة الفرنسية عملياً بشأن لبنان. لم تستطع ​باريس​ فرض مشروعها سريعاً في ​بيروت​، وهي لا تزال تنتظر فرجاً اقليمياً غير ناضج لغاية الآن. فهل يبقى البلد يراوح في مساحة الإنتظار؟ لا يملك ​اللبنانيون​ ترف الوقت، مما يفرض عليهم ضرورة إيجاد تسوية داخلية. وحدها مبادرة بري تبقى حيّة وقابلة للحياة. تلك المبادرة المتوافرة في الثلاجة الوطنية، تسمح بإيجاد أرضية مشتركة بين الفريقين المتخاصمين على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، خصوصا ان هناك دعماً عربياً لخطوات رئيس المجلس يعبّر عنه علناً سفير مصر في بيروت.

أمام هذا المشهد اللبناني المعقّد، تُرصد مؤشرات تسويات الإقليم المُحتملة، لعلها تساهم في فرض حلول لبنانية مطلوبة. لكن الخطورة تكمن في طول المدة الزمنية الفاصلة عن موعد اي تسوية، فهل يتحمل لبنان مزيداً من الإنتظار؟.