منذ ان تم تكليفه ​تشكيل الحكومة​، بدا وكأن النائب ​سعد الحريري​ مرتاح على وضعه، حتى انه قام بأمور لم نعتد عليه القيام بها، وخصوصاً لجهة السقف العالي في التعاطي مع رئيس الجمهورية وتسريب تشكيلات حكوميّة و"العناد" في خصومته مع النائب ​جبران باسيل​. ولكن، وفيما كانت الدفّة تميل نحوه بشكل لافت، شهدت الفترة الاخيرة تغييراً اساسياً في ناحية الرياح التي سارت كما يشتهيها الثنائي عون-باسيل، وتحوّل الحريري الى الموقع الدفاعي بعد ان كان في منصب الهجوم، الى ان وصلت الامور اليوم الى حدّ وجد ان ظهره بات الى الحائط ولم يعد هناك من مجال للمناورة. فما العامل الذي دفع الوضع الى مرحلة جديدة من التفاؤل بعد ان كان التشاؤم مخيّماً على الاجواء بشكل سوداوي؟.

يركّز متابعون للملف الحكومي ان عاملاً اساسياً ادّى الى كل هذه التغييرات، ووضع التفاؤل في المركز الاول، وهو يعود بشكل رئيسي الى ان الحريري لمس بشكل حسّي ان الغطاء سيرفع عنه اذا ما استمرت الامور على حالها، وحتى رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ الداعم الاول له محلياً، اصبح في موقع الضاغط على رئيس الحكومة المكلّف، فيما الخارج اطلق اكثر من جرس انذار يشير الى انه في ظل عدم الحسم حتى الساعة، لا بدّ من القيام باجراء ما يحرّك المياه الراكدة منعًا لتفاقم الامور ووصولها الى حدّ الفوضى الشاملة. ولعل ابلغ رسالة في هذا المجال، وجهتها فرنسا بشخص رئيسها ​ايمانويل ماكرون​ حين استقبل قائد الجيش ​العماد جوزاف عون​ في الاليزيه بشكل غير متوقع، اتبعها الاميركيّون الذين وجّهوا رسالة بالغة الاهمية بالاعلان عن تخصيصهم مبالغ ماليّة كبيرة لدعم ​الجيش اللبناني​، ايّ ان الثقة الدوليّة تحولت بالكامل الى المؤسّسة العسكريّة، ومن دون ان يقاسمها احد في هذا السياق، مع كل ما يعنيه ذلك من قلق وخوف من قبل الزعماء والمسؤولين اللبنانيين.

ووفق المتابعون انفسهم، فقد ادرك الحريري ان الامر لم يعد مجرد "مزحة" وان سحب تكليفه ولو انه غير وارد دستورياً، الا انه يمكن الوصول اليه عبر طرق ووسائل اخرى، واكثر ما اقلقه في هذا المجال، احتمال انتقال برّي الى الضفّة المواجهة له، ما يعني رفع الغطاء المحلّي عنه وتعزيز القدرة على استنباط الحلول الكفيلة بوضعه خارج اللعبة، والاتفاق على بديل يكون قادراً على تقطيع المرحلة من دون ان يعني ذلك انه سيبقى لوقت طويل على رأس الحكومة التي يجمع المحلّلون والمتابعون على انه اذا ما تشكلت، فهي لن تعمّر طويلاً. ولذلك، فإنّ الحديث عن اجراء انتخابات نيابية مبكرة بعد تقديم استقالات جماعية، تصاعد في الايام الماضية، والزم الجميع على الدخول في مفاوضات واجراء محادثات طويلة لاستشراق آفاق النتائج التي يمكن ان تسجّل في هذا المجال، ووضع كل هذا المخرج في ميزان الربح والخسارة، وعلى ضوئه يتم اتخاذ القرار لجهة السير بهذه الخطوة ام لا، في حال استمر الوضع على حاله من الجمود.

الاجواء الضاغطة كانت السبب في زيادة احراج الحريري، الذي لم يعد يستطيع الاحتماء بالخارج والداخل، وبات من الضروري بالنسبة اليه القيام بتحرك ما للتخفيف من هذا الضغط، فكان ان زادت نسبة التفاؤل حول ايجاد الحلول، مع الابقاء على قدر كاف من الحذر لان المناورات لا تزال مطروحة على الطاولة، ويمكن اللجوء اليها في سبيل كسب وقت اضافي بدأ يتضاءل شيئاً فشيئاً. وعليه، لا يمكن الغرق في التفاؤل، ولا الاستسلام للتشاؤم في ما خصّ الوضع السياسي، وللمرة الاولى تكون المنطقة الرمادية من المناطق المحببة للبنانيين، على امل الا تطول فترة انتظارهم فيها.