على وقع الفشل الذي تظهره القوى السياسية في الإتفاق على ​تشكيل الحكومة​ العتيدة، التي كان من المفترض أن تكون بوابة الإنطلاق نحو تطبيق سلسلة من الإجراءات الإصلاحية، يبدو أن القوى الدولية التي كانت تبدي إهتماماً بالساحة اللبنانية قرّرت تبديل رؤيتها، الأمر الذي يترجم بشكل واضح في تراجع الرهان عليها.

حالة اليأس من هذه القوى لا تقتصر على القوى الدولية، لا بل أن العديد من الأفرقاء المحليين باتوا لا يترددون في التعبير عن إمتعاضهم من الواقع الذي وصلت إليه مفاوضات التأليف، نظراً إلى أنها تظهر عدم إهتمام بالواقع الذي وصل إليه المواطنون، في ظل التدهور المستمر في سعر صرف الليرة مقابل الدولار والتراجع الكبير في القيمة الشرائيّة للرواتب والأجور.

في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن التعبير الأوضح عن التحول في النظرة الدولية يكمن في المواقف الفرنسي، حيث تحولت باريس، التي كانت قد أطلقت مبادرة بعد الإنفجار الذي حصل في مرفأ بيروت في الرابع من آب الماضي، إلى التركيز على أمرين أساسيين: الأول كيفية تأمين الدعم للمؤسسة العسكرية والثاني كيفية ضمان إجراء الإستحقاقات الإنتخابية في مواعيدها المقررة.

إنطلاقاً من ذلك، تقرأ هذه المصادر الرسالة التي كان قد وجهها ​البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي​، في عظة الأحد الماضي، حيث تلفت إلى أنّ التخوف الذي أبداه كان يعبر عن رسالة واضحة بأن من غير المسموح المس بالمواعيد المقررة للإنتخابات النيابية والرئاسية، خصوصاً أن بعض القوى السياسية بدأت تفكر في إحتمال الذهاب إلى خيار التمديد.

بالنسبة إلى المصادر نفسها، هذا السيناريو من قبل القوى السياسية الفاعلة سيكون بمثابة مغامرة غير محسوبة النتائج، لا سيما أن هناك قراراً حاسماً على المستوى الدولي بعدم السماح بذلك، حيث هناك رغبة واضحة في أن تكون ​الإنتخابات النيابية​ المقبلة بوابة الإنتقال إلى مرحلة جديدة، عنوانها السعي إلى إحداث تغيير في التوازنات ولو لم يكن ذلك بالحجم الكبير.

بناء على ما تقدم، تعتبر المصادر السياسية المتابعة أن الرهان على إمكانية إحداث أي حكومة لتغيير نوعي هو في غير مكانه، بسبب عامل الوقت الذي يضيق، لكنها توضح أنه في المقابل هناك آمال كبيرة على ​المؤسسة العسكرية​ لضمان إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها، من خلال العمل بالحفاظ على الحد الأدنى من الإستقرار، في ظل التوقعات المستمرة بالذهاب إلى المزيد من الفوضى الإقتصادية والإجتماعية.

وتلفت هذه المصادر إلى أن هذا الأمر هو الذي دفع القوى الدولية المعنية بالساحة اللبنانية إلى التركيز على كيفية تأمين الدعم للجيش، الذي يترجم من خلال الزيارات الخارجية التي يقوم بها قائد الجيش ​العماد جوزاف عون​، بالإضافة إلى تنظيم المؤتمرات الدولية الداعمة للمؤسسة العسكرية على مختلف الصعد، نظراً إلى أنها تدرك جيداً إنعكاس الأزمة على واقعه، وهي كانت قد بدأت، في الفترة الماضية، في إرسال بعض المساعدات التي تصب في هذا الإتجاه.

بالتزامن، تعود المصادر نفسها إلى زيارة وزير الخارجية الفرنسية ​جان إيف لودريان​ إلى بيروت، للتذكير بالإجتماع الذي عقده مع القوى والشخصيات التي صنفتها باريس على أساس أنها تغييرية، للتأكيد على أن القوى الدولية باتت تركز على إمكانية إحداث تحول في الإنتخابات النيابية، خصوصاً أن لودريان كان قد دعا تلك القوى إلى التوحد والتحضير لهذا الإستحقاق.

في المحصلة، قد لا تكون القوى السياسية المحلية مدركة لحقيقة ما يحصل على أرض الواقع، لكن الأكيد أنها دخلت في دوامة خطيرة لا تعرف كيفية الخروج منها، الأمر الذي يقودها إلى المزيد من الغرق بدل البحث عن كيفية الوصول إلى الحلول الإنقاذية، فهل يقود ذلك لاحقاً إلى يأس جماهيرها منها؟.