لا يختلف رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ عن باقي الشخصيات السياسية في كيفية تعامله مع أيّ ملف، لا سيما ذلك المتعلق ب​تشكيل الحكومة​ العتيدة، حيث تسيطر معادلة الربح والخسارة على أيّ قرار قد يذهب إليه، الأمر الذي يدفعه إلى مراجعة حساباته جيداً قبل الإقدام على أي خطوة.

في هذا السياق، يبدو أنه يستفيد من لعبة السجالات القائمة مع "التيار الوطني الحر"، نظراً إلى أن رئيس التيار النائب ​جبران باسيل​ يُصنّف من الشخصيات الإستفزازيّة في الساحة السنية، وهو ما يُبرر نجاح الحريري في جذب أعضاء من "​اللقاء التشاوري​"، للتضامن معه في مواقفه، تحت عنوان الحفاظ على صلاحيات موقع ​رئاسة الحكومة​.

في هذا الإطار، يمكن الجزم بأن رئيس الحكومة المكلّف يخسر على المستوى الوطني، سواء من دائرة خصومه أو من حلفائه، بحسب ما تؤكد مصادر سياسية متابعة عبر "​النشرة​"، فموقفه من أزمة التأليف لم يعد موضع تفهّم لدى غالبيّة القوى والشخصيات التي كانت متحالفة معه طوال الفترة الماضية، بدليل التحوّل الّذي رُصد في مواقف كل من رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ و​البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي​ بشكل أساسي.

هذا التحول يمكن رصده أيضاً على مستوى مواقف بعض القوى الخارجية الفاعلة على الساحة اللبنانية، فهو إلى جانب عدم نجاحه في الحصول على الضوء الأخضر السعودي، الذي يحتاج له ل​تأليف الحكومة​، خسر الموقف الفرنسي الذي كان داعماً له في بداية الأزمة، حيث بات ينظر إليه من جانب المسؤوليين الفرنسيين على أساس أنه واحد من المعرقلين، والأمر نفسه ينطبق على الموقفين المصري والإماراتي.

ما تقدم، دفع إلى الواجهة مجموعة من الخيارات الأخرى، من وجهة نظر المصادر نفسها، أهمّها بدء التفكير في شخصية بديلة تتولى رئاسة الحكومة المقبلة في حال إستمرار الواقع على ما هو عليه، حيث برزت الحركة التي يقوم بها النائب ​فيصل كرامي​ بالإضافة إلى عودة السفير اللبناني السابق ​نواف سلام​ إلى الواجهة من جديد، الأمر الذي يُفسر برسالة إلى رئيس الحكومة المكلف عنوانها الأساسي: "لست وحدك في الميدان".

بالنسبة إلى هذه المصادر، الحريري قد يكون حقق ما يريده من وراء المعركة التي يخوضها، أي زيادة رصيده الشعبي على الساحة السنية، لا سيما أنه يحتاج إلى هذا الأمر قبل أشهر من موعد ​الإنتخابات النيابية​ التي يفتقد فيها إلى أيّ سلاح آخر، بالتزامن هو لم يقدم على أي خطوة قد تغضب ​السعودية​، الراعي الإقليمي المفترض له، لكن في المقابل هو لا يحتمل أن يبقى في موقع المسؤولية في مرحلة من المرجّح أن تشهد إنهياراً شاملاً على مختلف الصعد.

من وجهة نظر المصادر السياسية المتابعة، فإنّ الذهاب إلى المزيد من التدهور، في الأسابيع المقبلة، قد يعني خسارة الحريري ما حقّقه على مدى الأشهر الماضية في بيئته الطائفية، مقابل عدم قدرته على تأليف الحكومة أو تأمين مقوّمات نجاحها في حال شكّلها، الأمر الذي قد يدفعه إلى البحث عن كيفيّة الخروج من المشهد بأكبر قدر ممكن من المكاسب على المستوى الشخصي أو الحزبي، التي يستطيع أن يستثمرها في الإنتخابات النيابية المقبلة، إذ من المتوقع أن تكون مصيرية في إعادة إنتاج الزعامة السنية.

بناء على ما تقدم، ترى المصادر نفسها أنّ خيار الإعتذار عن التأليف قد يكون هو المخرج الأفضل بالنسبة إليه، على أن يرمي الكرة في ملعب الفريق الآخر، تحديداً باسيل، على قاعدة أنّ الأخير لا يريد تشكيل حكومة قادرة على إنقاذ البلد أو الحدّ من الإنهيار، الأمر الذي يسمح له بالبقاء في موقع عدم تقديم التنازلات، المُربح شعبياً، وعدم المغامرة في الإقدام على خطوة قد لا تريدها ​الرياض​.

في المحصّلة، تؤكّد هذه المصادر أنّ هامش المناورة أمام جميع الأفرقاء يضيق يوماً بعد آخر، نتيجة التدهور المستمر في الأوضاع الإقتصاديّة والإجتماعيّة، ما قد يفتح الباب أمام الذهاب إلى القرارات الحاسمة القادرة على نقل البلاد إلى مرحلة جديدة، بغض النظر عن النتائج التي ستترتب على ذلك.