صحيح ان التناغم غائب كلياً بين ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​ ورئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​، وان الجولات بينهما لم تنته وهي تتواصل بشكل مباشر او غير مباشر (عبر مساعدين ونواب...)، ولكن من المؤكد ان دخول رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ على الخط ساهم في تأجيج هذه المواجهة حيناً واشعالها احياناً، وآخرها الجولة التي تناقلتها ​وسائل الاعلام​ والتواصل الاجتماعي حول كلام النائب ​جبران باسيل​ عن مجلس النواب، ورد النائب ​علي حسن خليل​ عليه. الواضح ان المستفيد من هذه الجولة الحادة هو الحريري، الذي كان اكد قبل يومين ان كل الخيارات واردة وانه ينسق مع بري، وهذا دليل اكثر من كاف ان بريلم يتخل بعد عن الحريري، وان الاخير يريد بعد ان اصبح ظهره للحائط، ان يعمد الى الهجوم لانقاذ ماء الوجه اياً كان القرار الذي سيتخذه، وخصوصاً اذا ما كانت ابواب الاعتذار قد فتحت. حماسة بري للهجوم على عون وباسيل، مفادها انه مهما كانت الاسباب والموقف الذي سيصدر عن الحريري، فإن الساحة لن تكون خالية لهما، فهو موجود عليها ولن يغادرها حتى لو غادرها الحريري، كما لا يجب ​البناء​ على اي مكسب سياسي قد يطرأ لتحويله الى مكسب شعبي لاي منهما،وبالتحديد قبيل ​الانتخابات​ النيابية المرتقبة. وفي هذا المجال، يبدو ان بري احتاط لكل الامور، ففي حال اعتذر الحريري، تكون الحملة على باسيل قد بدأت من خلال تحميله سبب فشل محاولات ​تشكيل الحكومة​، وبالتالي تقديمه على انه المعرقل للحل في ​لبنان​ ما يعني حكماً تأخير الحلول والانفراج بالنسبة الى اللبنانيين، فيما يكون بري قد مهّد لكونه قام بكل شيء "لانقاذ لبنان" فيما عمد باسيل الى عرقلته في كل محطة. اما في حال بقاء الحريري، فتكون الضغوط قد بدات تكثر على باسيل وعلى عون ايضاً لتقديم التنازلات الكفيلة بتشكيل الحكومة برئاسة الحريري ووفق شروط تريحه وتضعه في موقف آمن في حكومة تعتبر الاخيرة في عهد عون وقد تتولى مهام الحكم في حال الفشل في انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

هذا الامريناسب الحريري تماماً، فهو بدأ تحركاً واسعاً لاستعادة صورته، وبالاخص في الشارع السنّي حيث

عمد الى زيادة التعاطف الشعبي معه من خلال شد الوتر الطائفي، ولذلك زار ​دار الافتاء​ وتحدث عن ان عينه والمفتي على لبنان، في كلام غير مباشر عن ان ​الطائفة السنية​ تقف خلف الحريري، وهي تدعم موقفه ان لناحية الاعتذار مع ضمان اختياره للبديل، او الاستمرار والامعان في المواجهة مع عون وباسيل، وفي الحالتين تكون اسهم الحريري في الانتخابات قد زادت بعض الشيء، بدل ان تنحدر وتتشتت لصالح مسؤولين وزعماء سنّة غيره ممن بدأ الكلام عن ارتفاع نسبة حظوظهم في الدخول الى السراي الكبير فور اعلان الحريري انسحابه من سباق تشكيل الحكومة. وبين هذه وتلك، تبقى ​سياسة​ تسجيل النقاط هي المسيطرة على ​الحياة​ السياسية وسط اجواء الانتخاب النيابية التي، وان لم تكن مبكرة، يبقى رونق التحضير لها قائماً لانه سيعكس للخارج مدى الحضور الشعبي لكل زعيم ومسؤول وقدرته على الاستمرار في البقاء على طاولة اللاعبين المحليين، ومدى النفوذ الذي يمكن له ان يستوعبه، وهذا ما يقلق الحريري تحديداً لان غيابه عن السراي لا يمكن ان يكون من دون بديل يؤمّن له حضوره واستمراره السياسي، بحيث يهود بعدها الى ​رئاسة الحكومة​ من بوابة ​الانتخابات النيابية​، اذا ما قرر الاعتذار عن الاستمرار في مسؤولية التشكيل.