أشار المفتي الجعفري الممتاز ​الشيخ أحمد قبلان​، الى أن "المطلوب موقف وثبات ومواجهة، وعدم سكوت عن أبشع كارثة حلّت بالبلد، لأن السكوت مقبرة وطن، وأفظع من الكارثة، بل جريمة لا تغتفر. ولذا علينا أن نعمل على إنقاذ بلدنا وحماية ناسنا وأسواقنا وخياراتنا، وفي مقدمها وحدتنا وشراكتنا الوطنية التي يجب ألاّ تهتز رغم كل الأوكار الدولية والغرف السوداء التي تعمل في العلن والخفاء على رسم الشوارع وتحريك الغرائز، يرافقها لعبة حصار وتجفيف أسواق، تتقصّد قهر الناس، واستنزاف البلد، في ظل حصانة وحماية ​الفاسد​ين و​الفساد​ بأنواعه وأشكاله، بهدف ترويع الناس وإحكام الحصار القاتل بكافة عناوينه".

وفي خطبة الجمعة، لفت قبلان الى أن "شعبنا يجوع، ويتعرض للقتل والإبادة بمختلف أنواع الأسلحة التي تمارسها هذه المنظومة التي "تمسَحت"، وفقدت كل شعور بالوطنية والإنسانية، وباتت رهينة المصالح والذهنيات التي تتغذى على ضفاف الطائفية والعصبيات البغيضة، والكيديات الحاقدة التي مكّنت كل هذه المافيات السياسية والاقتصادية والاحتكارية من هذا الشعب، الذي آن له أن ينتفض ضد هذه المنظومة التي لم تترك إثماً أو خطيئة إلا وارتكبتها بحق هذا البلد وشعبه، تبدأ بالإفقار ونهب الأموال، ولا تنتهي بالجوع وارتفاع الأسعار والجرائم و​البطالة​ والتضخم المخيف، والاهتراء الإداري، والحرب النقدية، وتفكك شامل، وترهيب واستنزاف ودويلات مالية وإقطاعيات سياسية وبرامج قذرة، تخوضها كانتونات المستودعات والمخازن والمواد الأولية والطبية و​المحروقات​ والسلع والخدمات لتحويل الناس إلى عبيد".

واعتبر قبلان أنه "لا يكفي أن ننتقد أو نعارض أو نرفض، لأن المنظومة السياسية والمالية وطغاة الإدارة النقدية لا يفهمون بهذه ​اللغة​، كذلك من يدير ​الأزمة​، من أجهزة وطواقم دولية وإقليمية ووكلاء محليين بمختلف صفاتهم، كلهم يعملون على خراب البلد من خلال أزمات مطبوخة ومعدّة بطرق جهنمية، أضحى الناس معها مجرد أعداد في لعبة خبيثة وخطيرة جداً على ​لبنان​ واللبنانيين".

ووجه قبلان خطابه للبنانيين، مسلمين ومسيحيين، بالقول:"لسنا بحاجة إلى منظّرين، ولا إلى نظريات، ولا إلى طروحات من هنا وهناك، البلد ينهار، والارتطام ليس ببعيد، وكل ما يجري هو ترقيع بترقيع؛ ولكن إلى متى هذا العناد وهذا التحدي؟ وهذا النكد السياسي غير المسبوق؟ إلى متى كل هذا النزق السياسي والتعقيد المصطنع؟ ولمصلحة من؟ ومن سيكون الرابح؟ وأي ​طائفة​ ستكون الفائزة في هذا الماراتون الانحداري باتجاه الهاوية؟ كلنا خاسرون أيها ​اللبنانيون​، طالما نحن نفكّر طائفياً، وننظّر طائفياً، وقلنا لكم سابقاً إن أساس الأزمة في لبنان هو النظام السياسي التاريخي الطائفي الفاسد الذي لم يُنشأ من أجل دولة وطن ومواطن، بل أوصلنا إلى ما نحن فيه، فها هو البلد يترنّح ويتهاوى، والشعب يعيش الذل والهوان في كل لحظة ويوم، وهناك من يتحدث في الحياد، وبمؤتمر دولي، وفي الصلاحيات، ويطالب بالحقوق، وهل بقي من حقوق في وطن يكاد يفقد كل شيء حتى مسوّغ وجوده!"

وحذّر قبلان من أن "الذي يجري خطير للغاية، وما وصلنا إليه من أوضاع مأساوية اقتصادية واجتماعية وسياسية واستشفائية ودوائية وأخلاقية وإجرامية لم يعد يُحتمل، وينذر ب​انفجار​ كبير سيكون مدوياً وغير مسبوق، إذا لم يسارع الجميع إلى تحمّل مسؤولياتهم الوطنية والتاريخية والعمل على الخروج من دائرة الحسابات الضيّقة والمحاصصات، لأن من يريد لبنان كل لبنان ولكل اللبنانيين لا يطالب بحصّة ولا يقبل بحصّة ويدفع باتجاه ​تأليف​ ​حكومة​ لونها الوحيد "كيف ننقذ لبنان"، معتبراً أن "لبناننا بخطر، والخطر حقيقي وقائم، فلا لليأس ولا للاستسلام، بل علينا أن نمنع ​الحرائق​ الطائفية، وأن ندافع عن ​السلم الأهلي​ مهما بلغت الأكلاف، وألاّ نجعله يتعرض لأي خلل، كونه المدماك الأساس في بنيان عيشنا المشترك والحتمي، وفي قدرتنا على مواجهة ما يحاك للبلد ويخطط له من مشاريع تفكيك ومتاريس ولعبة طوائف وكانتونات هدّامة ومدمرة".

وأضاف سماحته:"إن الأدوات التنفيذية لهذه المأساة التي تطال بلدنا وأهلنا في هذا الوطن أصبحت معروفة سياسياً ومالياً وطبياً واقتصادياً حتى أخلاقياً، والمعرقلون والمعطلون أيضاً باتوا مكشوفين، أولئك الذين يرفضون المبادرات، ويتلطّون ويتذرّعون بالحجج التي لم تعد تنطلي على أحد. لذلك نحن نقول بالفم الملآن: بدنا حلول، بدنا حكومة، بدنا قيادات وزعامات تتنازل وتضحي، ما بدنا خطابات وبيانات، الناس شبعت وتعبت وقرفت، الناس بدها تاكل، بدها ​مستشفى​، بدها دوا، بدها أمان، بدها خبز، بدها كرامة محفوظة، بدها أموالها من الذين نهبوا وهرّبوا وسرقوا. فكفى نفاقاً وزيفاً واحتيالاً واستنزافاً، كفى مقامرة بمصير بلد وأحلام شعب يا من بيدكم الأمر وترون قصوركم بعيدة عن قبور الناس، توجهوا اليوم قبل الغد إلى حكومة تلغي المزرعة، وتنقذ الوطن، وأغيثوا لبنان ​الدولة​ والسلم الأهلي والشراكة الوطنية والعيش المشترك قبل فوات الأوان وإلا فعلى لبنان السلام".