لن نخوض هنا في هذا المقال ان كانت هذه الازمة مفتعلة ام حقيقية، ومن يتحمل مسؤوليتها ومن يتسبب في إذلال المواطن امام ​محطات المحروقات​ لتأمين خدمة تعتبر من البديهيات في اي بلد في العالم؟ ومن لا يخجل من تحميل الناس هذا العبء فوق كل ما يتحمله من مآس لا تنتهي، من هو المجرم الفاجر الذي لا يرف له جفن امام كل هذا القهر، المهم ان نعرف متى تنتهي هذه المعاناة واذا ما كان لها نهاية؟ وهل من حلول بديلة في الأفق؟.

هنا نتوقف عند الحلول البديلة التي يقترحها وزير الطاقة ​ريمون غجر​، فهو يرى ألاّ يستخدم السيارات سوى الاغنياء، ومن لا يستطيع دفع مئتي الف ليرة ثمن صفيحة ​البنزين​ ليستعمل وسيلة اخرى: وهنا نسأله؟ ما هي الوسيلة الاخرى الفعّالة التي أمّنتها الدولة التي أهملت خطط ​النقل العام​ للمواطن؟ أن يستخدم الدراجات الهوائيّة الصديقة للبيئة مثلا ولا يوجد لدينا طرقات مخصصة لها -مع العلم انها جديرة بالاهتمام كأحد الخيارات الى جانب السيارات الخاصة والنقل المشترك والقطار- أم برأيه يجب ان نعود الى القرون الوسطى فنستخدم الحيوان في التنقلات، او ان يسير الفقير سيرا على قدميه مهما بعدت المسافات في الثلج والمطر والحر؟ ما هذا المنطق المستغرب والمستهجن؟.

إذن، تبقى المحروقات حاجة ضرورية واساسية في بلد كلبنان، لم يهتم احد من المسؤولين فيه ابدا بخطّة نقل حديثة وبشبكة مواصلات ذات فعالية ومصداقية؛ الخبير النفطي ​ربيع ياغي​ يقترح إلغاء الدعم فيتوقف التهريب، واعتماد نظام سير المفرد والمزدوج، وبهذه الطريقة نخفض الاستيراد والاستهلاك 50%. ويشرح ان ثمن صفيحة البنزين في لبنان اليوم 3 دولارات فيما سعرها في أي بلد آخر منتج للنفط 10 دولارات بالنظر الى سعر النفط الخام 73 دولار للبرميل، فاذا استوردنا بالسعر العالمي ستصل تكلفة الصفيحة الى 170 الف ليرة.

وبما ان الدولة مفلسة ولا يمكن الاستمرار في استنزاف الاحتياطي لدى ​مصرف لبنان​ كي يذهب 30% منها للتهريب، و​رفع الدعم​ واقع لا مفرّ منه، اذا احترمنا المواطن يجب رفع الدعم او الابقاء عليه جزئيا ليوجّه فقط للنقل العام الفانات والتاكسي. وشدّد الخبير النفطي على انه يلزمنا قرارات حازمة تترافق مع الزام الشركات المستوردة للنفط ليكون لديها المخزون الاستراتيجيل يكفي لستة اسابيع، وان تفرض عليها رسوم اضافيّة ورأى ان الدعم المعتمد من مصرف لبنان قرار خاطئ قضى على ودائع الناس، وقد بلغت كلفته 7 الى 8 مليارات دولار سنة 2020.

من جهته رئيس تجمع الشركات المستوردة للنفط جورج فيّاض وفي حديث لـ"النشرة" رأى "أن لا احد لديه الحل، لأن الازمة مستمرّة طالما الدعم لمّا يزل قائما، ومصرف لبنان يضغط، وهنا وجب على الدولة ايجاد الحل: فان رفعت الدعم هناك نتائج اجتماعية كارثيّة ان على البنزين الذي سيصبح سعره 170 او 180 الفا، او على ​المازوت​ خصوصا ان للثاني التأثير المباشر على العديد من القطاعات مثل الماء و​الكهرباء​ والافران و​المستشفيات​ والزراعة والصناعة وغيرها.

وردّا على سؤال حيال عدم وجود مخزون لدى الشركات؛ وعمّا اذا كان هناك من نقص في الخزّانات، أوضح فياض انّ المتوافر منه لا يكفي لاكثر من 10 الى 15 يوما. والتخزين يوفّر المادة للسوق مدّة شهر ونصف الشهر ويمكن للشركات استيراد كميات بالسعر المرتفع لكن عليها ان تلحق الاستهلاك، الّذي يُتوقّع انخفاضه اذا رُفع الدعم.

واوضح فيّاض أنّ التسليم هو 10 ملايين ليتر لكنها لا تكفي مقطوعية لبنان بسبب التهريب، وعلى الدولة ضبطه او تنزع الدعم وهذا ما طالبنا به منذ سنة.

خبير النقل د. تمام نقاش رأى ان الحل يكمن في رفع الدعم كليا عن البنزين للسيارات الخاصة، لأنّ يجب على أصحابها ان يدفعوا الكلفة كاملة وبما انه ليس لدينا نقلا عاما منظما ادعو لايجاد وسيلة لدعمه على المدى القصير من القطاع الخاص والاثرياء واصحاب السيارات الفارهة ومن يملكون سيارات عديدة. مشيرا الى ان الازمة التي نشهدها اليوم ما هي الا نتيجة تراكم سببه عدم وضوح ​سياسة​ النقل في البلد.

وأضاف نقّاش ان مسألة ترشيد الدعم باتت وشيكة و​اسعار المحروقات​ ستحلّق، لكن الاهم ان يترافق الامر مع خطّة تأخذ بعين الاعتبار الأزمة المعيشية للبنانيين وقدرتهم الشرائيّة التي اضمحلّت مع استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء.