لم يسبق أن حسمت القوى السياسية القرار بشأن الإنتخابات النيابية، كما هو حاصل حالياً. تتحدث المعلومات عن بدء معظم القوى الإستعدادات لإستحقاق مفصلي يأتي بعد حصول متغيرات لبنانية. لذا، تحاول الأحزاب باكراً إستطلاع المزاج الشعبي العام لمعرفة توجه الناخبين اللبنانيين، فتأتي أجوبة مراكز الإحصاءات ضبابية، تستند إلى واقع أن المواطنين تائهون، لا يستطيعون تحديد خياراتهم الآن بسبب تعبهم مما آلت إليه ظروفهم المعيشية نتيجة تردّي الوضع الإقتصادي، وفشل رهانات معظمهم على وجود بدائل سياسية مقتدرة، نتيجة العجز اللبناني عن انتاج شخصيات جديدة موثوق بها، في بلد طائفي المنشأ والمسار والمعيار. ومن هنا فإن المطلب الواضح عند معظم اللبنانيين: الهجرة.

يقول أحد الإحصائيين الأساسيين في البلد خلال جلساته: لا يمكن إستطلاع آراء الناخبين حالياً، لأن المواطنين يرفضون التجاوب مع دراساتنا، تحت عنوان: الأولوية معيشية. ومن هنا يمكن الجزم بأن جزءاً اساسياً من عدم اتضاح التوجهات الشعبية هو عدم رضا الناس على فريقي السلطة والمعارضة من جهة، وعدم الثقة بالبدائل المطروحة الهشّة من جهة ثانية. مما يتيح توقع أولي بإعادة إنتاج المشهد النيابي ذاته، مع تعديلات طفيفة، متفاوتة، بحسب التحالفات والمناطق ومسار الأزمة وشعبوية الطروحات.

واذا كان الحديث عن التحالفات الانتخابيّة سابقاً لآوانه، ولا يمكن الجزم بشأنه قبل ثلاثة اشهر او شهرين من موعد ال​انتخابات​، فإنّه يمكن رصد المؤشرات بناء على الوقائع القائمة.

هل تتغيّر التحالفات؟ هو سؤال جوهري. الجواب: نعم. كيف ستكون؟ الجواب عنوانه الأساسي: طلاق تيار "المستقبل" مع حزب "القوات" مقابل تقارب التيار الأزرق مع "الثنائي الشيعي". وإبتعاد الحزب "التقدمي الإشتراكي" عن "القوات" أيضاً، مقابل تقرّب الإشتراكيين من "الثنائي الشيعي".

يمكن هنا الإستناد إلى طبيعة العلاقة السياسية الممتازة والودّية بين رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ وكل من رئيس الحكومة المكلّف سعد ​الحريري​ ورئيس "التقدمي" ​وليد جنبلاط​، معطوفة على قرار نهائي محسوم: بقاء الثنائي حركة "أمل" و"​حزب الله​" في تحالف سياسي دائم ذي ابعاد استراتيجيّة وتتخطى حساباته الملف الانتخابي. لذا، تتراكم المؤشرات على خوض هذا الحلف الانتخابات في دوائر نفوذهم المشترك، لكن بعد الاتفاق على ضمّ حلفاء للقوى المذكورة وعدم التخلي عنهم.

وبما أن التسابق قائم بين التيار "الوطني الحر" و"القوات" في المساحة المسيحيّة، فإن لا تحالف بينهما لا بالجملة ولا بالمفرق. لذا، يتشدّد التيار البرتقالي في خطابات وتصرفات شعبويّة تتخذ طابعاً طائفياً أحياناً، لتوظيفها في السباق الجاري بينه وبين "القوات" بصورة أساسيّة. لكن: هل يكون "الوطني الحر" حليف "الثنائي الشيعي" في مناطق الثقل الشعبي المشترك، كالبقاع وجبيل و​بعبدا​؟ العلاقة المتينة بين الحزب والتيار ومصلحة الأخير في حسم مقاعد له في المناطق المذكورة ستجعل التحالف الإنتخابي شبه محسوم.

كيف يمكن توليف التحالفات حينها؟ خصوصا في حال اراد "الثنائي الشيعي” التحالف مع الحريري وجنبلاط؟ هذا السؤال يتردد في دوائر البقاع الثلاث، و​بيروت​، وبعبدا، والشوف بشكل رئيسي.

هناك ثلاثة سيناريوهات:

١-حصول مصالحات سياسية واسعة تحت عنوان توحيد الجهود لتنفيذ عملية انقاذ وطني مطلوب تقود الى توزيع الأدوار السلطويّة لاحقاً. لكن طموح شخصيات سياسية بشأن الوصول الى رئاسة الجمهوريّة، بوجود ربط بين طامحين وبين هكذا مشروع يعطّل التحالف الانتخابي.

٢-فرض احلاف انتخابية بحسب المناطق والمصالح، كما حصل خلال انتخابات الدورة السابقة. وهو الأكثر رجحاناً.

٣-تزداد حدّة الخلافات السياسية الى حدود التباعد بين الأحلاف القائمة، فتنشأ تحالفات انتخابية جديدة، وتتشتت الصفوف بكل إتجاه، فتتعدد اللوائح وتختلط اوراق المشهد الانتخابي.

قد يكون رئيس حزب "القوات" سمير جعجع يراهن على حصول السيناريو الثالث، كي يستطيع فرض توازن في أعداد النواب مع "الوطني الحر". بينما، يُمكن للتيار البرتقالي حصد اعداد نيابية أكبر تتيح له تكرار مشهد الانتخابات السابقة، بوجود تحالفات واسعة تمت الاشارة إليها اعلاه.

من جهة أخرى، فإن التحالف بين الحريري ورئيس الحكومة الاسبق نجيب ميقاتي والنائب جهاد الصمد وآخرين سيتيح لهم حسم مشهد انتخابي واسع في الشمال، يتمدّد في زغرتا والكورة وعكّار مع تيار "​المردة​"، ويزداد صداه في حال انضم اليه "السوريون القوميون الاجتماعيون"، لكن قرارتهم مرهونة ببتّ امر خلافاتهم الداخليّة التي جعلت سياساتهم تتوزع بين من يغرّد مع "الوطني الحر" ومن يحاول ترسيخ العلاقة مع "المردة".

بجميع الأحوال، فإن الأشهر المقبلة قد تحمل مفاجآت، لكن فشل "المجتمع المدني" في إنتاج بدائل سياسية وازنة، وحاجة البلد الى قوى مقتدرة على مواكبة مستجدات الإقليم، قد تساعد القوى السياسية الاساسية النافذة في تكرار مشاهد الانتخابات الماضية في ظل حصول تعديلات متواضعة نسبيّة، لكن الفوز بالمقاعد النيابية مرهون بتقديم تلك القوى مرشحين جدد على قاعدة مفكّر فرنسي: اذا لم تستطع ان تغيّر في الأشياء، غيّر بالأسماء.

لا يزال الحديث عن سيناريو محدّد مرتقب سابقا لآوانه. فلننتظر ماذا ستحمل الأشهر المقبلة معها معيشياً وسياسياً.