يبدو أن معادلة "الضاهر أو الفوضى" تعود إلى لبنان من جديد، ففي العام 1988 أطلق المساعد الأسبق لوزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ريتشارد مورفي هذه المعادلة، عندما حذر من أن عدم إنتخاب النائب السابق مخايل الضاهر رئيساً للجمهورية سيقود البلاد إلى الفوضى. أما اليوم التحذير جاء على لسان رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​، على وقع الأزمة الحكومية المفتوحة، حيث اعتبر أنه "اذا اعتذر رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ سيكون انهيار تام، وأخاف من الناحية الأمنية".

بعيداً عن المعطيات التي رافقت الطرح الأميركي حينها، ما ينبغي التوقف عنده اليوم هو إستسهال وضع اللبنانيين بين خياري طموح شخصية سياسية ما أو الفوضى، سواء كان ذلك عن الطريق التهديد أو التلميح أو التحذير، خصوصاً أنهم دفعوا، خلال أقل من عامين، مسؤولية إنهيار منظومة سياسية ومالية واقتصادية كانت السبب الأساسي في ما وصلت إليه البلاد على كافة المستويات، وكأن المطلوب أن يدفعوا الثمن مرة جديدة.

بناء من ذلك، قد يكون من الضروري البحث في المسألة الحكومة إنطلاقاً من الوقائع التي تهم المواطنين بالدرجة الأولى، نظراً إلى أن حقهم الطبيعي، بعد دفعهم الثمن من قيمة مدخراتهم ورواتبهم بشكل أساسي، الحصول على المقابل الذي من الممكن أن يقودهم إلى تحسين واقعهم، فهل يمكن إعتبار رئيس الحكومة المكلف، الذي تولى السلطة بالوراثة بعد إغتيال والده رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري في العام 2005، هو الشخصية الأفضل لتولي هذه المهمة، بينما هو كان من أركان المنظومة التي قادت إلى الإنهيار؟

في الإجابة على هذا السؤال، من الممكن تقديم الكثير من الأدلة التي تؤكد أن الحريري ليس هو المرشح الأفضل، أبرزها قد يكون تخليه عن مسؤولياته بعد إستقالته، على اثر الإحتجاجات الشعبية التي انطلقت في السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019، حيث اختار السفر إلى الخارج بدل العمل على تصريف الأعمال بأفضل طريقة ممكنة في أصعب لحظة بتاريخ لبنان الحديث، ولاحقاً لم يتردد في الذهاب إلى لعبة إحراق أسماء المرشحين الآخرين كي يثبت أنه المرشح الوحيد المتوفر.

بالإضافة على ذلك، بعد استقالة حكومة تصريف الأعمال برئاسة ​حسان دياب​، قدم رئيس الحكومة المكلف نفسه بوصفه المرشح المنقذ، على أساس تشكيل حكومة مهمة لا يتجاوزها عمرها 6 أشهر، بينما مضى على تكليفه أكثر من 8 أشهر، قضى معظمها خارج لبنان، منتظراً الحصول على الضوء الخارجي ل​تأليف الحكومة​، بدل العمل على تسريع المفاوضات الداخلية التي تقود إلى التأليف، بالإضافة إلى عدم رغبته في أن يكون في السلطة في لحظة ​رفع الدعم​ على السلع الأساسية، فهل لا تزال المعادلة التي ترشح وفقها لا تزال قائمة اليوم؟

في الوقائع المعروفة لدى غالبية القوى السياسية، الحريري لا يمكن أن يشكل حكومة غير قادرة على الحصول على مساعدات مالية من الخارج، الأمر الذي لا يبدو متوفراً بالشكل الذي يريده في الوقت الراهن، وهو لا يمكن، في ظل طرح تشكيل حكومة أخصائيين، أن يكون رئيسها، خصوصاً أن تجربتها على مستوى أعماله الخاصة غير مشجعة، من دون تجاهل أنه كان في السلطة في لحظة الإنهيار، وبالتالي المنطق يفرض أن من كان مسؤولاً المشكلة، مع باقي أركان المنظومة، لا يمكن أن يطلب أن يكون مسؤولاً عن معالجتها.

في المحصلة، يتحمل اللبنانيون اليوم مسؤولية معالجة أزمة رئيس حكومة مكلف مكبل بمجموعة من الضغوط لا يستطيع الخروج منها، بسبب معادلات يراد لها أن تفرض عليهم، حتى ولو كان الثمن المزيد من الإنهيار، تحت طائلة التهديد من الفوضى الأمنية، التي لا يملك مفتاح الوصول إليها إلا أركان المنظومة نفسها، بحجة أنه الأقوى في طائفته، فهل وصول الأقوياء في طوائفهم، بغض النظر عن قدرتهم على انتاج الحلول، يكفي لمنع معاناة أبناء تلك الطوائف من الأزمات التي تمر بها البلاد؟