تنشغل مختلف القوى السياسية والكتل النيابية في تقديم الإقتراحات التي تعتبرها ضرورية من أجل ​رفع الدعم​ عن السلع الأساسية، نظراً إلى عدم قدرة ​مصرف لبنان​ على الإستمرار في هذا الأمر بسبب عدم توفر العملات الصعبة الضرورية، بعد أن ساهمت هي نفسها بعملية صرف مليارات الدولار على دعم، كانت تدرك منذ البداية أنه غير مجدٍ، لكنها قررت الذهاب إليه بوصفه الطريق الأسهل بالنسبة إليها.

اليوم يمكن وصف إقتراحات رفع الدعم أو ترشيده بكرة النار التي تسعى مختلف الجهات إلى إبعادها عنها، لكنها من الناحية العملية تطبق، بطريقة أو بأخرى، من دون أن يعلن عنها بشكل رسمي، خصوصاً أن معظم الجهات التي من المفترض أن تتولى الرقابة على ما كان يحصل، طوال الفترة الماضية، كانت غائبة عن السمع أو عاجزة عن القيام بواجباتها بالشكل المطلوب.

إنطلاقاً من ذلك، بات من الضروري القول أن رفع الدعم لم يعد خياراً من الممكن البحث في مصيره المحتمل، بل هو قرار حتمي لا يمكن الهروب منه، إلا أنّ المفارقة أن الجهات التي تتولّى البحث في الحلول المنطقيّة تبدو بعيدة كل البعد عن المنطق، كمثل إعتبار اللجنة الفرعية المنبثقة عن ​اللجان النيابية المشتركة​ أن كل عائلة، يملك أحد أفرادها حساباً مصرفياً يفوق الألف دولار ويقل عن الخمسين ألف دولار، لن تستحق الحصول على أي دعم.

هذا الواقع، يدفع إلى تقديم مجموعة من الإقتراحات، التي من غير المتوقع أن تبحث أي لجنة نيابية أو وزارية في كيفيّة تطبيقها، او برفع أشكال متعددة من الدعم يعاني منها مختلف المواطنين بشكل يومي، وأهميتها تفوق رفع الدعم عن السلع، نظراً إلى مردودها المالي الكبير بالإضافة إلى أنها تعتبر الحجر الأساس في أي إصلاح منشود.

البداية قد تكون من ظاهرة "زعران الأحياء"، الذين باتوا اليوم عدة تستخدم من قبل بعض أصحاب ​محطات المحروقات​، حيث يتم الإستعانة بهم لتنظيم طوابير الذلّ التي يقف فيها المواطنون، فيقررون لمن يمنحون الأولوية تحت طائلة الإعتداء على من يفكر بالإعتراض على قراراتهم، على أن تشمل عمليّة رفع الدعم من سرق ونهب الأموال العامة على مدى سنوات طويلة، حيث تحضر دائماً الخطوط الحمراء الطائفيّة والسّياسية لمنع محاسبة أي منهم، بدليل عدم محاسبة أي مرتكب رغم كل ما حصل منذ السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019.

بالإضافة إلى ما تقدم، هذه العملية لا يجب أن تستثني عصابات الإحتكارات التي نجحت في سرقة الأموال التي صُرفت من ​أموال المودعين​، في الأشهر الماضية، حيث من المفترض أنها مخصصة لدعم اللبنانيين لكن تبين أنها كانت مخصصة لدعم بعض التجار، كما من الضروري أن تشمل عصابات التهريب، التي باتت تنظم الإعتصامات وتقطع الطرقات في حال منعها من ذلك، بالإضافة إلى الموظفين في الإدارات والمؤسسات العامة الذين لا يدوامون بتغطية من قبل الأحزاب النافذة، أو الذين يرفضون إتمام أيّ معاملة قبل الحصول على "العمولة" أو "الرشوة" التي يعتبرونها حقاً مشروعاً لهم.

في المحصّلة، الدعم الأساسي الذي يجب أن يتوقف، هو ذلك الذي تقدمه القوى السياسية لأزلامها وغنمها الذي يمارسون كل الموبقات، بعد أن بنت منظومة تقوم على التعامل مع الوظائف والأموال العامة على أساس أنها "البقرة الحلوب" التي توزع من خلالها المغانم عليهم، ولاحقاً لم تتوانَ عن مد يدها على الأموال الخاصة التي كانت موجودة في ​المصارف​ على شكل ودائع.