​​​​​​عندما استقالت حكومة سعد الحريري إثر إنطلاق "الحراك" في اواخر عام ٢٠١٩، ساد الإعتقاد الشعبي في لبنان أن الحكومة التي حلّت بعدها ستُنقذ البلد من الأزمات الاقتصادية والمعيشية، رغم وجود ملاحظات نسبية بشأن الهوية السياسية العميقة لرئيس تلك الحكومة حسان دياب. هناك من أشاد وصفّق وتولّى تقديم النظريات الداعمة لحكومة دياب قبل انطلاقتها، ثم خرج أحد المتواجدين في دائرة مجلس الوزراء بخبرية الموسم: ستكون أهم حكومة عرفها لبنان منذ عهد الاستقلال. توالت بعدها التوصيفات التي أرادت لصق النجاح زوراً بمسيرة رئيس الحكومة ومزايا وزرائه. ثم كرّت سبّحة الصدمات بإنكشاف الحقائق امام الرأي العام اللبناني: أين الحكومة؟ ماذا تفعل غير اجتماعات اللجان؟ لماذا تسلل وزراؤها من الصف؟ أين السير الذاتية لهم؟ اقتضت دراستها وقتًا طويلا وجهدا قبل اتخاذ قرارات التوزير.

لم يجد دياب وسيلة لتبرير اخفاقات حكومته سوى رمي طابة المسؤولية في ملاعب الفساد والهدر والمحسوبيات؟ انه كلام انشائي عام لا يستسيغه اللبنانيون بمختلف انتماءاتهم. ثم تراكمت بيانات دياب وتصريحاته في تبرير الهروب من المسؤوليات في زمن تصريف الأعمال. يعرف دياب ان وزيرا واحدا لا يقتنع بما يقدمه من تبريرات، في زمن تجهد فيه نائبة رئيس الحكومة زينة عكر مثلاً في العمل لتغطية عجز رئيس مجلس الوزراء. هل كان دياب خدعة يدفع ثمنها اللبنانيون حالياً؟ .

يشبّه أحد السياسيين البلد الآن بحافلة ركّاب على طريق منزلق وعر، قرر سائقها، أي رئيس الحكومة، ان يترك قيادتها ويختبئ بين الركاب: هل ينتظر القائد الفعلي لها في زمن تصارع السياسيين على سبل القيادة البديلة عن السائق الهارب؟.

هذا المشهد ينطبق ايضاً على رئيس حزب "القوات" سمير جعجع الذي اتخذ قرارا بعدم المشاركة في قيادة الحافلة، وفضّل البقاء الى جانب الركّاب يتفرج على تدهور الحافلة من أجل القول: هؤلاء قادوا لبنان الى الانهيار. وانت؟ لماذا قررت عدم المشاركة بالحكومة؟ لماذا تهرب من تحمل المسؤولية؟ وما الفائدة؟ لو كان حزب "القوات" قرر المشاركة في الحكومة العتيدة لكان الحل توافر، على الاقل بالنسبة للوزيرين المسيحيين، وهي لب الخلاف بين التيارين الازرق والبرتقالي.

اذا كان هروب دياب من المسؤولية ليس مستغرباً بسبب تركيبته وخلفياته غير السياسية، فلا حجة مقنعة يستطيع "الحكيم" تقديمها للبنانيين. مناصرو "القوات" يسألون: هل نكفي ان نلعن الظلام، سواء جاء بسبب تصرفات النائب جبران باسيل او غيره؟ ماذا عن مشاريعنا الانقاذية؟ هم يعرفون ان شعارات جعجع لم تعد تقنع احدا ايضا: هناك واقع سياسي لن يتغير، والهروب لا يجدي نفعاً. سيسجل التاريخ ان "القوات" التي قاتلت بالسلاح والمواقف دفاعا عن عقيدتها هي الآن تكتفي بالوقوف على التلة للاشارة على هذا وذاك. ما قيمة العمل الحزبي في حال الاستقالة من الادوار الوطنية خلال الازمات؟ ما هدف الاحزاب التي تكتفي بالتفرج والنقد والتنظير عن بعد. اختار "الحكيم" انتخاب رئيس الجمهورية ميشال عون بعد اتفاق معراب وعليه تحمل مسؤولية خياره ايجابا او سلباً، لغاية انتهاء العهد. لذا، فليتقدم ويبادر ويتجرأ على المواجهة السياسية بتحمل المسؤولية في عملية الانقاذ المطلوبة. ان قيادة "القوات" مسؤولة امام مناصريها واللبنانيين عن خيارات "الحكيم" السياسية التي يبدو انها تراكم الأخطاء. على الاقل، فليقدم جعجع نموذجا مختلفا عن ادائه السابق. الا يستحق البلد شجاعة القرار؟ الا تستحق مسيرته الحزبية حربا وسلماً ان يحقق نجاحا، لمرة واحدة، ستطوي لو حصلت كل صفحات الإخفاقات؟.