شاءت الصدف ان تتزامن كلمة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، مع حدثين شهدتهما الساحة اللبنانية: لقاء وزيري الخارجية الفرنسي والاميركي في باريس وكلامهما عن الوضع اللبناني، ومواقف اطلقتها السفيرة الاميركية في لبنان دوروثي شيا حول عدد من المسائل. ولكن، من تابع ما جاء في الكلمة، لا يسعه الا ان يتطرق الى ثلاث مسائل من بين "بحر النقاط" الّذي وفّره نصر الله في كلمته. وفيما يمكن ان نمرّ سريعاً على نقطتين (على الرغم من اهميتهما) وهما: اولاً الكلام عن رغبة اميركية وفرنسية في تنشيط زخم الحركة السياسية في لبنان والتي واكبها نصرالله برغبة اكبر في توسيع دوره كهمزة وصل بين "الحلفاء والاصدقاء" عبر معاودة الجولات المكوكية بين البياضة وعين التينة. وثانياً الردّ مباشرة على كلام شيا حول دور الجيش اللبناني واستقدام النفط من ايران، مطمئناً من جهة بأن لا امكانية لحصول صدام بين الجيش وحزب الله تحت اي ظرف، حتى انه ذهب الى حد الرهان على ان تزويد الجيش بأسلحة متطورة لن يحصل رغم دعوته الى ذلك، مع العلم ان هذا الامر يعني عملياً تراجع دور الحزب واسقاط عوامل عديدة من "شرعيّة" الابقاء على سلاحه. كما شدّد من جهة ثانية على ان ورقة المجيء بالنفط الايراني لم تسقط رغم كل ما حصل ويحصل وعن الانتخابات الرئاسية الايرانية، ما يعني التمسك بقدرة الحزب على التدخل عند الحاجة من دون الحصول على اذن، لما فيه مصلحة اللبنانيين ودون الاخذ في الاعتبار التهديدات الاميركية والغربية، بغض النظر عن مسار الاتفاق النووي الايراني في فيينا.

ومع عدم اعطاء النقطتين السابقتين حقهما في شرح معطياتهما وتداعياتهما، فإن لا بد من التوقف عند النقطة الثالثة وهي الاهم بالنسبة الى الوضع الحكومي والسياسي اللبناني، وترتبط بالرد، الليّن بالشكل والقاسي بالمضمون، على رئيس التيار الوطني الحر النائب ​جبران باسيل​. من سمع نصر الله يتكلم عن هذه النقطة التي استحوذت على قسم كبير من خطابه، يدرك ان الرسالة كانت قاسية لباسيل وان كانت مغلّفة ببعض المديح والصفات الجيدة (صديق، حليف، ذكي،...)، ولكنها في العمق كانت تخفي على الاقل "امتعاضاً" مما آلت اليه الامور وممّا قاله باسيل. فالتلميح الى ذكاء باسيل الذي لا يسمح له بمحاولة ايقاع الخلاف بين الحزب ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، كفيلة بإغلاق موضوع التباعد بين الثنائي الشيعي، لان الاهم يبقى المحافظة على متانة المذهب الشيعي، لانه اذا كان نصرالله يسعى الى الابتعاد عن الخلافات مع السنّة والمسيحيين، فمن الاجدى به المحافظة على وحدة الصفّ الشيعي، وعدم تكرار احداث شهدها الشيعة في لبنان وكانت أليمة وادّت الى اهراق دماء.

وتقصّد الامين العام للحزب التذكير بأنّ بعض التعابير التي اطلقها باسيل " لم يكن يقصدها"، وكأن الغاية من كلام نصر الله كانت رسالة الى رئيس التيار الوطني الحر بوجوب اختيار عباراته وانتقائها جيداً، وعدم "زكزكة" الحزب ان من حيث الكلام عن المثالثة او عبر لومه بالوقوف على الحياد امام الحق او محاولة "حشره" باعتباره حكماً، وهي امور اعاد نصرالله تصويبها وفقاً لوجهة نظر الحزب فنفى تهمة المثالثة من جهة، واكد عدم وقوفه على الحياد انما مع الحق اياً تكن الجهة التي تمتلكه، وشدد على انه ليس حَكَماً لانه عندها يجب على الطرفين المختلفين الالتزام بما يقرّره. وبغض النظر عما اذا كان ما قاله نصر الله مقنعاً ام لا، فإنه اوضح بما لا يقبل الشك لنه لم "يهضم" كلام باسيل، وكان الردّ قوياً انما بكياسة، واظهر انه على الرغم من تمسّك الحزب بالعلاقة مع التيار ومن خلاله بباسيل، الا انّه لن يسكت عن تنامي الهجوم عليه، من دون ان ينسى التذكير بما يمتلكه الحزب من قوة سياسية وشعبية وحتى عسكرية.

لم يكن من الممتع لمناصري ومؤيّدي التّيار الوطني الحر وباسيل متابعة ما قاله نصر الله، الذي لبّى الدعوة التي سلّمها اياه باسيل، انما وفق شروطه وقواعده، واظهر انه صاحب الكلمة الاقوى في العلاقة، كما انه ارضى بشكل عير مباشر جمهور الحزب الذي استاء من بعض التصرفات والكلام من قبل جمهور التيار الوطني الحر.