في ظل الواقع المالي والإقتصادي الذي تشهده البلاد، حظيت الزيارة التي يقوم بها الوفد الإقتصادي الروسي إلى ​لبنان​ بإهتمام كبير، لا سيما أنه يحمل معه مشاريع إستثمارية تشمل بناء محطتي كهرباء وتشغيل مصفاتي الزهراني وطرابلس واعادة اعمار مرفأ بيروت وتوسيع مرفأ طرابلس وبناء إهراءات للقمح، وتتطلب موافقة الجهات اللبنانية المعنية، نظراً إلى أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها طرح هذا الموضوع.

في الماضي، كانت الخطوط الحمراء الأميركيّة تمنع الذهاب إلى مثل هكذا إتفاقات بين بيروت وموسكو، أبرزها كان على المستوى العسكري، لكن على ما يبدو الظروف المحلية اليوم تبدو أفضل من وجهة النظر الروسيّة، خصوصاً بعد التحول الذي حصل في موقف بعض الأفرقاء اللبنانيين، نظراً إلى أن الجانب الأميركي ينظر إليه على أساس أنه أحد مسببي الأزمة.

في هذا الإطار، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن الدخول الروسي إلى لبنان ليس وليد اللحظة بل يعود إلى سنوات إلى الوراء، لكن هذه الرغبة تعززت، بشكل لافت، بعد التواجد العسكري في ​سوريا​، حيث تعتبر موسكو بيروت بوابة أساسية لمرحلة إعادة الإعمار هناك، إلا أن الأهم هو رؤيتها لضرورة الحفاظ على الإستقرار المحلي، إنطلاقاً من النظرة التاريخية التي ترى أن إستقرار لبنان مهم جداً لإستقرار سوريا.

بناء على ما تقدم، كان لدى الجانب الروسي إهتماماً لافتاً بالواقع المحلي، طوال الأشهر الماضية، خوفاً من تداعيات الإنهيار الحاصل على الواقع الأمني في البلاد، لا سيما أن قاعدة حميميم العسكرية لا تبعد كثيراً عن الحدود اللبنانيّة السوريّة، الأمر الذي يفرض التعاطي معه بكل جدية، وهو ما يُفسر النبرة الجدّية والحاسمة التي يتم التحدّث بها اليوم، وبالتالي يمكن وضع معادلة تقوم على أساس أنّ الحضور الواسع في دمشق يتطلب آخرَ في بيروت.

على الرغم من ذلك، لدى المصادر نفسها قناعة بأن الأمر لن يكون بالسهولة التي يتصورها البعض، لا سيما أن الشائعات، التي تحدثت عن تهديدات تستهدف المصالح الروسية في لبنان، كانت قد سبقت زيارة الوفد، الأمر الذي سارعت العديد من الأوساط المقربة من موسكو إلى نفيه، لا بل وضعه في إطار محاولات ترهيب الشركات الروسية من الإستثمار في بيروت. وخلال زيارة الوفد، بدأت الشائعات تتناول الشركة الروسية المعنيّة، لناحية رأسمالها بشكل أساسي، للحد من أهمية العرض وإثارة الشبهات حوله.

في هذا السياق، ترى هذه المصادر أنّ الأساس الذي ينبغي التوقف عنده هو الموقف الغربي، تحديداً ​فرنسا​ و​الولايات المتحدة​، من الخطوة الروسية، فلبنان كان، في الاسبوع الماضي، على موعد مع إشتباك دبلوماسي أميركي-إيراني، بعد تجديد أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله الحديث عن إمكانيّة إستيراد المحروقات من ​طهران​، بينما كانت ​واشنطن​ قد ساهمت في تسهيل الإتفاق الذي حصل مع ​العراق​ لتفادي ذلك، على قاعدة أن بغداد من الممكن أن تكون بديلاً مقبولاً.

في بداية الشهر الحالي، كان للدورين الروسي و​الصين​ي الحضور في إيجاز صحافي، شاركت فيه "النشرة"، لقائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال كينيث ماكنزي، اعتبر فيه أن الصين و​روسيا​ تسعيان إلى نفوذ أكبر وعلاقات أقوى مع دول المنطقة، وتحاولان استغلال أيّ تراجع محسوس في انخراط الولايات المتحدة لإقامة علاقات انتهازيّة وتعزيزها.

أما بالنسبة إلى الجانب الفرنسي، فإنّ رغبة باريس بالحصول على إستثمارات إقتصاديّة في لبنان ليست خافية على أحد، وهي كانت قد عبرت عن ذلك، بشكل علني، بعد دخولها على خط الأزمة السّياسية على إثر الإنفجار الذي حصل في الرابع من آب الماضي، وتعتبر المصادر المطلعة أنّ الإعلان عن التوافق الأميركي الفرنسي على إدارة مشتركة لملفّ لبنان، بعد لقاء وزيري خارجية البلدين أنطوني بلينكن وجان إيف لودريان، أمر لا يمكن التعامل معه كحدث عابر، لا بل قد يكون مؤشرا عن الصورة الإستيراتيجية في المستقبل.

في المحصّلة، هذا الواقع يدفع المصادر نفسها إلى ترجيح أن تكون بيروت ساحة مواجهة بين الجانبين، في المرحلة المقبلة، أكثر من إحتمال أن تكون مساحة يتم فيها توزيع النفوذ بشكل أو بآخر، أو أن يكون الدخول الروسي إلى لبنان بالتفاهم مع واشنطن، خصوصاً أن الولايات المتحدة تعطي، في ظل إدارة الرئيس جو بايدن، أولوية قصوى للملفين الصيني والروسي، وتعتبر أن المشهد الأوّلي سيظهر في وقت قريب، من خلال رصد كيفية التعامل مع الطرح الحالي.