تحت عنوان "يوم التأمل والصلاة من أجل ​لبنان​" يلتقي في ​الفاتيكان​ في الأوّل من تمّوز عشرة من القادة الروحيّين المسيحيّين(1)، ليبحثوا تحت مظلّة قداسة الحبر الأعظم ​البابا فرنسيس​ الأوّل، ما يُمكن عمله لإنقاذ لبنان واللبنانيّين عمومًا، والمسيحيّين فيه بطبيعة الحال، من المخاطر التي تُهدّدهم، علمًا أنّ التحضيرات لهذا ​اللقاء الروحي​ البالغ الأهميّة كانت قد بدأت قبل أشهر طويلة(2). فماذا يُمكن أن ينجم من هذا اليوم الروحي التأمّلي، والذي سيُواكب بالصلوات في لبنان أيضًا(3)؟

الإهتمام الفاتيكاني بلبنان تُرجم خلال الأشهر القليلة الماضية، عبر رسائل خاصة وجّهها الحبر الأعظم للبنانيّين وللمسيحيّين فيه، وعبر دعوته السفراء والدبلوماسيّين المُعتمدين لدى ​الكرسي الرسولي​، للعمل على مُساعدة لبنان بشتّى الوسائل المُتاحة، ومن خلال فتحه الباب أمام المسؤولين الروحيّين اللبنانيّين وإحتضانهم. ولقاء الخميس الروحي في "عاصمة الكثلكة" يدخل في سياق دعم لبنان، حيث يُنتظر أن يتضمّن جزءًا روحيًا، وجزءًا آخر سيتمّ خلاله إستعراض مُختلف المشاكل التي تُواجه لبنان حاليًا، والبحث في ما يُمكن القيام به لبدء المسار الإنقاذي. والهم الأكبر في الفاتيكان سيدور حول سُبل إنقاذ لبنان الدَولة والرسالة، والحفاظ على إستقرار لبنان وعلى كرامة شعبه، وبالتالي المسألة لا تنحصر بالمُجتمع المسيحي في لبنان، إنّما بكلّ الفئات المُجتمعيّة اللبنانيّة، أي أنّ التركيز عمليًا هو بالحفاظ على دور لبنان ورسالته في هذا الشرق، وفي العالم أجمع. والفاتيكان على دراية أنّ الإنهيار الحاصل لا يطال الشريحة المسيحيّة دون سواها، بل كل الشرائح اللبنانيّة، وبأنّه لا يُمكن إنقاذ أيّ فئة دون سواها أيضًا، حيث أنّ كل اللبنانيّين عائمون في مركب واحد يتهدّده الغرق التام في أيّ لحظة.

ويُمكن القول إنّ لا نيّة لتأمين مظلّة للمسيحيّين دون سواهم، بل مظلّة لكل اللبنانيّين، من دون إستثناء، ولا نيّة لتبنّي أيّ نوع من الأفكار الخلافيّة أو القرارات الأحاديّة، بل نيّة لتأمين أوسع إجماع لبناني مُمكن على أي فكرة أو طرح، مع توقّع إستبعاد تبنّي أيّ قرارات خلافيّة، مثل "حياد لبنان" و"المؤتمر الدَولي"، بشكل رسمي ومُباشر. وحتّى الساعة لم يُعرف بعد ما إذا اللقاء سينتهي ببيان ختامي فقط أم بتوصيات عمل سيتمّ تبنّيها في المُستقبل، حيث أنّ النقاشات مَفتوحة على كل الإحتمالات، والنتائج مرهونة بما سيتفق عليه المُجتمعون وبما ستخلص إليه المُشاورات والنقاشات من أفكار وخطط. ولأنّ لا بُعد طائفي للقاء في الفاتيكان، بل وطني عام، من المُرجّح أن يقوم ​السفير البابوي​ في لبنان المونسنيور جوزيف سبيتاري الذي سيُشارك في هذا اللقاء بطبيعة الحال، بجولة في الأيّام المقبلة على المرجعيّات الإسلاميّة لوضعها في أجوائه أوّلاً، ولتشكيل إطار لبناني شامل لمُتابعة ما سينتج عنه.

إشارة إلى أنّه بحسب المَعلومات الأوّليّة المُتوفّرة، سيكون هناك تركيز خلال اللقاء، وفي القرارات التي ستصدر في نهايته، على ضرورة الحفاظ على الصيغة اللبنانيّة المُوحّدة، وعلى الإستقرار العام في لبنان، وعلى ضرورة فصل لبنان عن النزاعات الإقليمية والدَوليّة وعدم إعتماده كساحة لتصفية الصراعات، وكذلك على ضرورة أن يُسارع المُجتمع الدَولي لمدّ يد المُساعدة للبنانيّين في ظلّ ما يُواجهونه من أوضاع معيشيّة وحياتيّة صعبة، لتمكينهم من الصُمود في إنتظار وضع خريطة طريق داخليّة لمُعالجة الوضع.

في الختام، يُمكن القول إنّ الواقع المأساويّ في لبنان بات يتطلّب أكثر من يوم تأمل وصلاة، حيث بُتنا بحاجة ماسة لأعجوبة للخروج ممّا نُعاني منه! لكن بموازاة الأمل الروحي الدائم، لا بُد من خطّة عمل دَوليّة تُساهم في وضع مسار واضح، لمدّ يد العون الدَولي للبنان واللبنانيّين، بما أنّ القادة في لبنان–ومن دون أيّ إستثناء، غارقون في خلافاتهم وإنقساماتهم وأحقادهم التي لا تنتهي...

(1) بطاركة أو مسؤولي كنائس من الكاثوليك والأرثوذكس والسريان والأرمن والإنجيليّين.

(2) في 28 تشرين الثاني 2020، حمل البطريرك الماروني مار بشارة بُطرس الراعي مُذكّرة تُلخّص الواقع اللبناني والمسيحي في لبنان إلى الفاتيكان، وتحثّ على مُساعدة لبنان، وتدعو إلى إعتماد مبدأ ​الحياد​ لفصل لبنان عن أزمات المنطقة.

(3) ستُرفع الصلوات في الكنائس والأديرة ودور العبادة، إلخ. وستُقام سهرات إنجيليّة، وسيتمّ تنظيم لقاءات سُجود أمام القربان المُقدّس.