في كلمته الاخيرة، كشف الامين العام لحزب الله ​حسن نصر الله​ عن استعداد دولة من الشرق اقامة محطتي تكرير للنفط في الزهراني وطرابلس، وخلال ستة اشهر، ومن دون اي كلفة على الخزينة ال​لبنان​ية. لم يحتج الامر الى الكثير من التكهن لمعرفة ان الامر يتعلق ب​روسيا​، خصوصاً بعد اقصاء ​ايران​ عن الموضوع (كونها دولة واقعة تحت العقوبات والتهديد الاميركي والدولي)، واعتبار ان ​الصين​ مهتمة اكثر بموضوع البنى التحتية والتأهيل المعماري وغيره... لم يمض كثير من الوقت قبل ان يعلن المدير العام لشركة "الهندسة المائية والبناء" الروسية أندريه متسغر (وهو احد اعضاء الوفد الروسي الذي يزور لبنان لاجراء محادثات حول المساعدة الروسية لمرفأي بيروت وطرابلس)، عن بعض خيوط الاقتراحات الروسية في مجال الطاقة والنفط... اختصار هذا الطرح مفاده ان الشرق، وبالتحديد الصين وروسيا، لا يشعر بالحرج في كسر "التابو" الموضوع منذ عقود من الزمن على التعاون بينه وبين لبنان الذي كانت بوصلته تتجه دائماً نحو الغرب، على الرغم من كل التقدم والتطور الذي اظهرته غالبية دول الشرق، وبالاخص الصين وروسيا. وفيما كان مفهوماً وجود "الفيتو" على كلّ ما يتعلق بالاسلحة للجيش اللبناني والسقف المحدد في هذا المجال، وبعد فشل صفقة تقديم الطائرات الروسية للبنان (في عهد الرئيس السابق العماد ميشال سليمان)، اسفرت التطورات التي شهدتها المنطقة في العقد الاخير من الزمن عن حضور اكبر واقوى وافعل في ​الشرق الاوسط​، للقوتين الشرقيتين الكبيرتين. وبذلك، بات الحضور الروسي البالغ الاهمية في ​سوريا​ والمدعوم سياسياً من الصين، بمثابة امر واقع لا يمكن للدول الغربية تفاديه او انكاره، وهو ما سمح لموسكو في تثبيت رجليها وتفعيل دورها السياسي والدبلوماسي في المنطقة، وبالتالي ازدياد نفوذها والقدرة على التمدد شيئاً فشيئاً الى عدد من الدول. وبحكم وجودها على الحدود اللبنانية، كان من الطبيعي ان تهتم روسيا بشكل اكبر بهذا البلد، خصوصاً من الناحية النفطية حيث تمكنت من الحصول على جزء من المحاصصة المتعلقة بالتنقيب واستخراج الغاز والنفط. وساهم وباء كورونا في تعزيز هذا الحضور، فكان التعاون الصحّي اللبناني مع الصين وروسيا بعيداً عن اي حظر او تهديد دولي واميركي بنوع خاص، وكانت الخطوة الاولى على طريق طويل لكسر حاجز الخوف والتردّد من التعاون مع دول من الجهة الاخرى من التعامل بعد ان كان الامر مقتصراً على تعاون رسمي مع دول الغرب.

اليوم، تبدو نسبة نجاح المحاولات الشرقية لطرق الابواب اللبنانية، مقبولة جداً، حتى ان البعض يراهن على ان الشركات الروسية والصينية ستتواجد في لبنان بشكل رسمي، ولو بصورة خجولة، ولكنها ستكون بداية لا بد منها لتعزيز هذا الحضور. ومن المؤكد ان مثل هذا الامر سيتم بالتوافق مع الدول الغربية التي لن تمانع اعطاء "حصص صغيرة" ضمن شروط محددة ووفق ثمن سياسي ودبلوماسي متفق عليه مسبقاً. صحيح ان الامر سيكون اكثر تعقيداً بالنسبة الى لبنان الذي سيجد نفسه على طاولة يزداد اللاعبون فيها يوماً بعد يوم، ولكن لا مفرّ من هذه التجربة بعد "درب الآلام" الذي رُسم للبنان وسار به اللبنانيون، عبر مسؤوليهم ورؤساء احزابهم، راضين وفرحين، بحيث اصبح المخرج الوحيد من اتون المشاكل، ارضاء كل هذه القوى والدول، مع الدعاء ان يتأخر الوقت قدر الامكان قبل ان تتعقد الامور بينها لانها ستنعكس على الساحة اللبنانية، لنعود الى دوامة العذاب والحيرة والموت البطيء، فنضطر الى التحمل والتأقلم قبل ان نعود الى حيث كنا مع شروط جديدة اسوأ من تلك التي كانت سائدة.