لم يكن يتوقع ​اللبنانيون​ أن تتدحرج أزمة بلادهم بشكل سريع نحو الفوضى. كانوا يعتقدون ان الخلاف السياسي سينتهي، وستحصل التسوية السياسية عبر ​تأليف​ حكومة جديدة. لكن الإنتظار طال، في ظل مشهد سوداوي يزداد مأساوية.

لم تعد تقتصر الأزمات على سوء الأمانة لدى المصارف التي حرمت المودعين من حقوقهم، ولا على إنخفاض قيمة العملة الوطنية مقابل ارتفاع سعر الدولار، رغم تأثير صرف العملة على كل اتجاهات المعيشة، ولا على إذلال المواطنين في طوابير ​محطات المحروقات​ طيلة ساعات، ولا بشأن إخفاء معظم الأدوية من الصيدليات، ولا بالغلاء، ولا غياب ​التيار الكهربائي​، والبطالة، وتدنّي قيمة الرواتب لكبار وصغار ​الموظفين​ والعاملين. بل حطّ رحال ​الأزمة​ اللبنانية في الأمن. مما يعني ان الأمر سيجر تداعيات بعد تمدد الاحتجاجات، وحصول أكثر من شجار و​إطلاق نار​ وسقوط ضحية وجرحى: ماذا بعد؟.

يقوم الجيش و​القوى الأمنية​ بكل الإجراءات المطلوبة منهم، لكن عدم ايجاد حلول سياسية سيرمي المؤسسات العسكرية والأمنية في مساحة الإستنزاف.

يعرف المحتجون ان السياسيين هم مسؤولون عن التعطيل الذي يساهم في إزدياد الأزمات، وبالتالي فإنّ الجيش او القوى الامنيّة يقومون بأدوارهم الطبيعية في حفظ وضبط الأمن وعدم السماح بضرب النظام. كما يعرف اللبنانيون جميعهم ان آثار وتداعيات الأزمات تصيب المؤسسات العسكرية والأمنية والإدارية قبل غيرها: يمكن هنا الاشارة الى حجم راتب الجندي ومقارنته مع متطلبات المعيشة. انها الكارثة بذاتها ان يعاني العسكر من مآساة المستجدات اللبنانية اقتصاديا ويكون في الوقت ذاته هدفاً للإستنزاف في الشارع.

لذا، كانت عواصم مهتمة بما يجري في لبنان علمت مسبقاً ان الأمن معرض لنكسة في لبنان بسبب تداعيات ازمة المعيشة، فلجأت الى تجهيز مساعدات للجيش اللبناني. لكن تلك المؤازرة الدولية لا تكفي وحدها لإنقاذ الأمن ومنع الفوضى في لبنان.

ومن هنا، فإن المخاوف تزداد: البلد معرض للإنزلاق في دورة الفوضى التي ستجرّ معها الأمن الذاتي. لا يزال الجيش قادراً على ضبط الشارع، لكن مشهد ​طرابلس​ يوحي بأن الدولة تتفكك، وان ​المؤسسة العسكرية​ هي آخر هيبة متبقية في مؤسسات ​الدولة اللبنانية​، فإذا انكسرت هيبة الجيش، دخل لبنان في فوضى طويلة الأمد.

لا يبدو ان العواصم المعنية تريد دفع اللبنانيين نحو تسوية سياسية مطلوبة تترجم نفسها في تأليف حكومة انقاذ وطني. لا تزال لغاية الآن خطوات تلك العواصم خجولة في كل اتجاه، مما يساهم في بقاء المماطلة اللبنانية. لكن ان وقع لبنان في فوضى، فإن تفكك الدولة سيحبط كل رغبات العواصم بأن تبقى ساحة لبنان مضبوطة: من يضمن عندها أمن مخيمات اللاجئين؟ من يمنع ​الهجرة​ غير الشرعية الى اوروبا؟.

لا تكفي خطوات مؤازرة الجيش اللبناني، لإبقاء الساحة اللبنانية آمنة. ان الحل يبدأ بتأليف حكومة، لترجمة تسوية سياسية تدوزن مجريات الأيام اللبنانية الصعبة.