يبدو أن جدول ​أسعار المحروقات​ من أسرار ​الأمن​ القومي في ​لبنان​، ليس من السهولة في مكان معرفة تفاصيله، لا سيما بعد اللغط الذي حصل في بداية الاسبوع الحالي، الذي قاد إلى زيادة سعر صفيحة ​البنزين​، على سبيل المثال، خلال يومين ما يقارب 7000 ليرة لبنانية.

في البداية، انتفضت الشركات المستوردة على الجدول، الذي صدر يوم الثلاثاء الماضي، متحدثة عن "هفوة" حصلت على هذا الصعيد، لكن من دون أن تكشف عن جوهر هذه "الهفوة" التي منعتها من تسليم المحروقات، بينما المديرية العامة للنفط أكدت، في بيان لها، ألا خطأ في التسعيرة، حسب الجدول المعتمد، بل أن أصحاب الشركات اعترضوا على احتساب بعض عناصر التسعيرة.

بالإستناد إلى البيان التوضيحي، الصادر عن المديرية، فإن المديرة العامة للنفط أورور فغالي أبدت تفهمها لمطالبهم واستعدادها لدرسها وعرضها على وزيرالطاقة و​المياه​ في ​حكومة​ ​تصريف الأعمال​ ​ريمون غجر​، لتأتي النتيجة، يوم الخميس، بصدور التسعيرة ​الجديدة​ التي تضمنت ما كان يريده أصحاب الشركات.

بين الحديث عن "الهفوة" وتأكيد المديرية عدم حصول أي خطأ، تشير مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن المسألة برمّتها تأتي تحت عنوان واحد هو رضوخ الوزارة لمطالب الشركات، التي كان هدفها زيادة أرباحها بالدرجة الأولى.

وتلفت هذه المصادر إلى أنّ التسعيرة التي صدرت في الجدول الأول كانت عادلة، لكن في ظل عدم القدرة على الوقوف بوجه الشركات، التي عمدت إلى التوقف عن توزيع البضائع، لم يكن هناك من حل إلا الأخذ بمطالبها، بقرار من ​وزير الطاقة​ والمياه في حكومة تصريف الأعمال، تحت حجة أن إستمرار التمنع عن التوزيع سيقود إلى مضاعفة ​الأزمة​ في السوق.

في هذا الإطار، يرد نقيب أصحاب الشركات المستوردة للنفط جورج فياض، في حديث لـ"النشرة"، على الإتهامات بالقول: "ربما هؤلاء يريدون تأميم القطاع". ويلفت إلى أنه في الماضي كان هناك بند يحتوي فروقات، هو كناية عن كل العناصر التي يدخل فيها ​الدولار​، وعندما شطب هذا البند تم شطب جزء من التكاليف التي هي بالدولار لكن مختلفة عن الـ10%، وبالتالي كان من الضروري تضمينها ضمن بنود أخرى، ويضيف: "في الجدول الأول كان هناك سرعة في إصداره بسبب الأزمة، لكن الشركات لا يمكن أن تعمل بخسارة".

ويشير فياض إلى أنه عند بدء الحديث عن خطأ حصل في التسعيرة، في وسائل الإعلام، لم تكن المديرية راضية. ويعطي مثالاً عن التكاليف التي خلال فترة إنتظار ​البواخر​ قبل التفريغ، ويشرح أن ​مصرف لبنان​ يدعم كلفة البضائع على الفاتورة، بينما بين الكلفة والوصول إلى المخازن والتفريغ هناك عناصر أخرى، منهم التلوين والتحاليل على سبيل المثال، ويسأل: "من يدفع هذه التكاليف التي هي على ​سعر الدولار​ النقدي".

في هذا السياق، السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه يتعلق بإمكانية أن يقود ما حصل إلى إنتهاء الأزمة، الأمر الذي تنفيه المصادر المطّلعة، نظراً إلى أن المشكلة لم تعالج، لا سيما بالنسبة إلى فروقات ​الأسعار​ بين ​لبنان وسوريا​، الأمر الذي يعني إستمرار عمليّات التهريب، بما تعنيه من نقص في السوق المحلي، في حين أن أحداً لا يستطيع أن يجزم بمصير آلية الدعم المعتمدة في ​المستقبل​، خصوصاً أنها مقررة لفترة 3 أشهر فقط.

من وجهة نظر فياض، الحل هو ب​رفع الدعم​، حيث يشدد على أن الشركات لا تستفيد منه ، نظراً إلى أن الجدول الذي تبيع على أساسه سيكون قائماً، سواء كان مدعوما أم لم يكن، ويضيف: "هذا هو الحل الوحيد لوقف هدر الدولارات، على أن يكون الدعم مخصص للفئات المستهدفة من الشعب".

ويشير فياض إلى أن مسألة الطوابير سببها أن مصرف لبنان لا يعطي الموافقة على الكميات اللازمة لتغطية السوق، الذي يضاف إليه التهريب، ويلفت إلى أنّ الحل الحالي هو عبارة عن تبديل سعر الدعم المقدم من مصرف لبنان، لكن لا أحد يعرف كميّة الأموال التي من الممكن أن تُصرف على هذا الأساس. ويرى أن البديل عن رفع الدعم هو تغطية البضائع التي يحتاجها السوق، في حين أنّ المصرف يعتمد نظام الاذن المسبق، ويضيف: "نحن ننتظر موافقة مسبقة من شخص مالي في المصرف لا يعرف حجم السوق، بل يدرك ماذا لديه من دولارات يستطيع أن يدفعها".

في المحصّلة، لا حلّ لأزمة المحروقات، رغم ما حصل من تبدّل على مستوى الأسعار، بعيداً عن التداعيات التي يدفع ثمنها المواطنون اليوم إرتفاعاً في أسعار مختلف السلع، بينما الحلّ الوحيد المتاح، أي رفع الدعم كلياً، لن يزيد إلا من معاناة المواطنين.