العلاقة الّتي تربط الفاتيكان بلبنان واللبنانيّين هي علاقة تضامن روحي مستمر مع الأمة اللبنانيّة جمعاء،ويستحضرني اليوم في مناسبة اللقاء الرّوحي الّذي دعا إليه قداسة البابا فرنسيس مع بطاركة الشرق ورؤساء الجماعات المسيحيّة،ثلاث رسائل بشأن مأساة لبنان وجّهها السعيد الذكر قداسة البابا يوحنا بولس الثاني، إلى السعيد الذكر البطريرك الكاردينال مار أنطونيوس بطرس خريش وجميع اللبنانيّين، وإلى السادة مطارنة الكنيسة الكاثوليكيّة في العالم، في الأوّل من أيّار 1984،وممّا جاء في الرسالة إلى البطريرك أنطون بطرس خريش: "إنّا نشاطركم والبطاركة الكاثوليك في لبنان، محن جميع اللبنانيّين ومخاوفهم وآلامهم، نشعر بالحاجة إلى أن نوجّه الآن إلى جميع أبناء بلادكم العزيزة، رسالةً نريد أن تكون تعبيرا" عن تضامننا الرّوحي المستمر مع الأمّة اللبنانيّة جمعاء."

وأضاف: "نسألكم أن تتلطّفوا وتنقلوا هذه الرسالة إلى أصحاب الغبطة والسّادة المطارنة، وإلى جميع الّذين بإمكانهم أن يجدوا فيها شهادة جديدة عن التقدير والثقة اللّذين يحملها البابا لكلّ منهم، وهو واثق بأنّهم سيعرفون كيف يكونون البناة الشجعان للبنان الجديد."

وممّا جاء في رسالته إلى جميع اللبنانيّين كاثوليك ومسيحيّين ومسلمين:"إنّ للبنان قيمة حضاريّة ثمينة، فالإنسانيّة جمعاء مدينة له منذ عهد الفنيقيّين البعيد، دون أن ننسى تلاقي الأديان، والحوار الثقافي بين شرق وغرب، والمبادرات المسكونيّة، والحريّة والتفاهم وانفتاح الرّوح. إنّ هذه كلّها كانت القيم الّتي نهض عليها لبنان الأمس وهي أساس لبنان الغد.

وأضاف: "لا يمكن أحدا" أن يسلّم بأن يراه في طريق الزوال،ولا تستطيع جميع البلدان صديقة الحريّة والسلام إلاّ أن تقدّم للبنان دعمها لتساعده على استعادة وجهه الأصيل، وهذا ما سيكون عمل اللبنانيّين وحدهم، وهو عمل يقتضي له صبر وسخاء.

وقال: "ما من شك في أن عوامل داخليّة وخارجيّة لا يمكن التقليل من أهميّتها جاءت تشوّه وجه لبنان، لكن بالإمكان تخطّي هذه الحالة، بالقبول بالتلاقي كرجال، والتعاطي كأخوة، وهذا ما يشكّل بدء الحل."

وتحت عنوان "من قلب جديد يولد السلام"، شدّد قداسته على أن كل لبناني مسؤول عن مستقبل بلاده، وعليه أن يكون مستعدا" لإجراء فحص ضمير، وإن يسلّم بالتخلّي عن شيء ما، وأن يعيد النظر في شؤونه لترتفع القيم الّتي يتقاسمها الجميع:الإستقامة الأدبيّة، التضامن، الحق، الدفاع عن الحريّات واحترام التقاليد.

وممّا جاء أيضاً في رسالته أنّ الغطرسة وحب السيطرة والتعصّب والتخاذل أو الخوف، فيحمل هذا كلّه عناصر موت لا تضعف الرّوح الوطنيّة وحسب لكنّها قد تقود بلادكم إلى تفتّت محتوم.

وحول دور الكنيسة في في استنهاض لبنان، دعا قداسته المسيحيّين إلى أن يشاركوا دونما تردّد في كل ما يسير في اتجاه الخير وأن يتعاونوا بما يمكّنها من الثبات مستقبلا" في وجه الهزّات الداخليّة والضغوط الخارجيّة.

بعد لقاء قداسة البابا فرنسيس مع رؤساء الكنائس المسيحيّة بالأمس، وفي ختام الصلاة المسكونيّة، توجّه إلى اللبنانيّين والمسؤولين في لبنان بأفكار تلامس في مكان وتطابق في مكان آخر تلك الّتي أطلقها البابا يوحنا بولس الثاني سنة 1984، ودعانا إلى أن نبقى متّحدين معا" من خلال استقامة الحوار وصدق النوايا لكي نستطيع أن نحمل النور إلى الأماكن المظلمة.

ما أشبه اليوم بالأمس، نعم، هناك أماكن كثيرة مظلمة في وطننا، فلنعمل معا" لنجعل منها واحات تشع من جديد نورا" وحياة.