أشار مصدر سياسي مواكب للمشاورات الّتي بدأها رئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​، فور عودته إلى بيروت، في حديث إلى صحيفة "الشرق الأوسط"، إلى أنّ "لا قرار لديه حاليًّا بالاعتذار عن ​تشكيل الحكومة​، وإن كان مدرجًا كأحد من الخيارات على جدول أعماله".

وكشف أنّ "استقراء الخيار النهائي للحريري لا يمكن الرهان عليه، إلّا من خلال لقائه العلني الّذي يُفترض أن يعقده قريبًا مع رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​، استكمالًا للقائهما الّذي عُقد بعيدًا عن الأضواء عصر أوّل من أمس"، لافتًا إلى أنّ "اللقاء المرتقَب بين بري والحريري يأتي تتويجًا لمروحة من المشاورات والاتصالات يعقدها مع كتلته النيابية وقيادة "​تيار المستقبل​" وشخصيّات سياسيّة مستقلّة، ليكون في وسعهما أن يبنيا معًا على الشيء مقتضاه، رغم أنّ رئيس الحكومة المكلّف يستعجل في اتخاذ قراره النهائي مع تدحرج البلد نحو السقوط وارتفاع منسوب الكوارث على المستويات كافّة".

وذكر المصدر السياسي أنّه "لم يطرأ أيّ جديد على الاتصالات الخارجيّة ذات الصلة المباشرة بأزمة تشكيل الحكومة"، مركّزًا على أنّ "الخارج وإن كان لا يشجّع الحريري على الاعتذار في حال اتّخذ قراره النهائي في هذا الخصوص، فإنّ الأخير لن يكون شريكًا في انهيار البلد، وهو جاء في مهمّة إنقاذيّة يأخذ بالاعتبار التمسّك ب​المبادرة الفرنسية​ والتفاوض مع "​صندوق النقد الدولي​"، للحصول على مساعدات لوقف الانهيار".

وأوضح أنّ "رئيس "التيار الوطني الحر" النائب ​جبران باسيل​ وبدعم من رئيس الجمهوريّة ​ميشال عون​، سرعان ما بادر إلى تحويل تشكيل الحكومة إلى معركة وجوديّة ومصيريّة، وصولًا إلى تطييفه لعمليّة تأليفها، بذريعة أنّ الأولويّة هي لاسترداد ​حقوق المسيحيين​ واستعادة الصلاحيّات المصادَرة لرئيس الجمهوريّة"، ورأى أنّ "اعتذار الحريري عن تأليف الحكومة يبقى نافذة مفتوحة، مبنيّة على قناعة تكاد تكون جامعة بين رئيس الحكومة المكلّف ورئيس المجلس ورؤساء الحكومات السابقين وآخرين، بأنّ الرئيس عون وبطلب من باسيل لا يريد حكومة في الأساس، لأنّه يروق له أن يتصرّف على أنّه الحاكم بأمره ويرأس اجتماعات ​المجلس الأعلى للدفاع​ ويتّخذ القرارات، بخلاف ما نصّ عليه قانون الدفاع الوطني".

كما شدّد على أنّ "عون يعطي الأولويّة لإنقاذ وريثه السياسي باسيل لتأمين استمراريّة إرثه السياسي، وإلّا لما قطع الطريق على المبادرة الإنقاذيّة الّتي طرحها بري، الّذي نجح في رفع عدد أعضاء الحكومة في حال تشكيلها من 18 إلى 24 وزيرًا من جهة، وفي إيجاد مخرج لتسوية الخلاف حول وزارتَي الداخليّة والعدل، وذهب بعيدًا في التعامل مع رئيس المجلس النيابي على أنّه منحاز إلى جانب الحريري".

وبيّن المصدر أنّ "مع أنّ الجميع كان ينتظر من باسيل بتفويض من الرئيس عون، أن يجيب عن مشكلة تسمية الوزيرَين المسيحيَّين لمنع باسيل من الحصول على الثلث الضامن أسوةً بالآخرين وبمنح تكتله النيابي الحكومة الثقة، لكنّهم فوجئوا بفتح النار على بري والحريري". وبالنسبة إلى ما يتردّد بأنّ الحريري سيتقدّم بتشكيلة وزاريّة من 24 وزيرًا من رئيس الجمهوريّة تسبق اعتذاره، في حال امتنع عن إصدار مراسيمها، أشار إلى أنّ "الحريري لا يزال في طور دراسة هذه الفكرة الّتي كان اقترحها عليه رؤساء الحكومات السابقون، مع أنّ مجرّد رفضها لن يكون مدخلًا لتشكيل حكومة برئيس وزراء آخر".

ولفت إلى أنّ "عون سيرفض التشكيلة، وهذا ما يُرتّب على الحريري الاعتذار الّذي يعني أنّ مبادرة بري سُحبت من التداول، لأنّ رئاسة الحكومة ليست حقلًا للتجارب لطموحات باسيل وشطحاته، في ظلّ إحجام عون عن التعاطي في ملف الحكومة ويكتفي بإصدار البيانات كلّما شعر بأنّ الحصار على صهره أخذ يشتدّ في محاولة لإنقاذه، وبالتالي يبقى السؤال: هل يريد عون حكومة أم لا؟ ويأتي الجواب عليه من باسيل برفض حكومة برئاسة الحريري".

إلى ذلك، توقّف المصدر أمام قول الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله إنّ أمامنا ثلاثة أيّام لمعرفة المسار الحكومي، مؤكّدًا أنّ "كلامه هذا ما هو إلّا للاستهلاك المحلّي، إلّا إذا قرّر أن يحسم خياره في انحيازه لمبادرة بري، وألّا يكون قد حسمه لحساب باسيل"، ورأى أنّ "الساعات المقبلة ستكون حاسمة لاستقراء خيارات الحزب، الّذي هو أقرب حتّى الساعة إلى محور عون - باسيل".

وعن صحّة ما يتردّد بأن يُترك للحريري في حال اعتذاره وبالتنسيق مع رؤساء الحكومات السابقين، تسمية من سيخلفه بالتشاور مع بري، أفاد بأنّ "هذا الأمر لن يحسم، رغم أنّ من يرفض الحريري لن يعطيه حقّ التسمية، لأنّ خلفه سيصطدم بحائط مسدود كان اصطدم به السفير مصطفى أديب، وبالتالي لا يمكن أن تتحمّل مسؤوليّة بتسمية شخص آخر لست مسؤولًا عنه، إضافةً إلى أنّ مثل هذا الاقتراح هو محاولة لإعادة تعويم باسيل قبل عون، ليكون في وسعه شراء الوقت فيما الانفجار الشامل يطبق على البلد، وهذا لا يشجّع "أهل البيت" الداعم للحريري على تبنّي اقتراح كهذا، علمًا أنّه لن يكون في وسع من سيخلفه أن يقدّم التسهيلات و"التنازلات" الّتي قدّمها؛ وقوبلت بإصرار باسيل على الشروط الّتي تتيح له الإمساك بزمام المبادرة".