من المؤلم ان نشهد ونكتب عن ردّ قاس لسفراء وممثّلين للبعثات الدوليّة والعربيّة، على مسؤول لبناني، اياً يكن منصبه، لان الرابط اللبناني يبقى الجامع بين ابناء هذا الوطن مهما تعددت الظروف والاختلافات. وها نحن اليوم امام حالة من هذا الوضع، حيث ردّت كل من سفيرة الولايات المتحدة الاميركية ​دوروثي شيا​ ونظيرتها الفرنسية آن غريّو على ما سمعتاه من رئيس الحكومة المستقيل ​حسان دياب​ خلال اجتماعهما به مع عدد من السفراء وممثلي الدول العربية والاجنبية، بشكل مباشر اولاً، وبالسرعة اللازمة وخارج الاطر الدبلوماسية المعروفة والمتبعة، وبعدها بيوم واحد فقط. الردّ التالي كان اكثر قساوة، ولو انه غير مباشر، وقد اتى على شكل "انتقام" فعلي لما قاله دياب خلال الاجتماع، اذ اصدرتا بيانين اكدتا فيه توجههما الى السعودية لبحث سبل مساعدة اللبنانيين. وتكمن قساوة هذا المضمون على دياب من ناحيتين: الاولى تطاله بشكل خاص من خلال القول ان الدول الخارجيّة لا تحاصر لبنان، انما تحاصر المسؤولين اللبنانيين، واكبر برهان على ذلك هو الرغبة في المساعدة وتحفيز باقي الدول على ذلك، انما من دون المرور بالسلطات اللبنانيّة، وهذا الامر (بالنسبة الى السفيرتين)، يدحض بوضوح مقولة دياب بفرض حصار خارجي على لبنان سيؤدّي الى انهيار اللبنانيين. وركزت السفيرتان على الدعم للجيش اللبناني والمؤسسات الامنيّة لتمكينها، مع ​الشعب اللبناني​، من تخطي هذه المرحلة.

اما الناحية الثانية، فلها علاقة بالطريقة الواجب اتّباعها من قبل دياب والحكومة للتحرّك بفاعلية، حيث بدا وكأنّ غريّو وشيا قد فوّضتا، من قبل بلديهما وليس من قبل لبنان، لبحث الازمة اللبنانية واجراء اللازم بشأنها، والا كيف يمكن تفسير لقائهما مع المسؤولين السعوديين، وبأيّ صفة؟ خصوصاً وانّهما لا تمثلان بلديهما لدى المملكة العربيّة السعوديّة، فما الدافع لهما للقيام بهذا الدور، وكيف تستقبلهما الرياض من اجل هذا الهدف؟ خريطة طريق السفيرتين كانت قد اعدت من قبل وزيري خارجيّة كل من بلديهما خلال اللقاء الذي جمعهما في ​فرنسا​ اولاً، ثم اجتماعهما معاً مع نظيرهما السعودي حيث كان لبنان على مائدة اللقاء.

لا شك ان المسألة تشكل احراجاً، ليس فقط لدياب، بل لكل اركان السلطة اللبنانية، وللبنانيين بشكل عام ايضاً لانّ من يتحدث في شأن مصيرهم هما من خارج التشكيلة اللبنانيّة، وتمثّلان دولتين نافذتين. ولكن الامر الايجابي في كل هذه الصورة، هو انّه للمرة الاولى منذ سنوات، اتفق الاميركيون والفرنسيون على مسار موحد للتعاطي مع الازمة اللبنانيّة. ونتّفق فعلاً على انّ الخارج له الباع الطويلة في الازمة التي ضربت لبنان، حتى انّه لا يرغب بعد في حلّ المشكلة بشكل حاسم وسريع، والا لكان التعاطي اخذ منحى آخر، ولكن القلق بدأ يتغلغل في اروقة واشنطن وباريس، من ان تصل الامور الى حدود السقف الموضوع والذي لا يجب تخطيه، عنينا به المظلّة الامنيّة الّتي وضعت فوق لبنان منذ ايّام ادارة الرئيس الاميركي السابق ​دونالد ترامب​، والتي تستمر بفاعلية كبيرة رغم كل التطورات.

من هنا، يمكن فهم كل ما يتّخذه الخارج من مبادرات وتحركات ومساعدات عينيّة للشعب اللبناني ليصمد في محنته من دون ان يلجأ الى خيار التقاتل او المواجهة العسكرية، لانّ في ذلك انهيار للركائز التي وضعت في سبيل تجنيب لبنان سيناريو الانهيار التام، وتجنيب الدول الاوروبيّة ومن خلالها دول العالم تداعيات هذه الكارثة فيما لو حصلت، والتي ستفوق نتائجها كارثة الحرب السوريّة.

البعض رأى في هذا التحرك الثنائي نظرة تشاؤميّة حيال الوضع اللبناني، فبتقديره ان التفسير يعني بأن الازمة ستطول وان هذا التحرك هو من اجل عدم تأثير ظلّ الازمة على ما تبقى من مقوّمات اللبنانيين على الصمود، والبعض الآخر اعتبر ان التوافق الفرنسي-الاميركي اثمر جرّ السعودية الى الساحة، ومن خلالها قطر ودول اخرى للاستفادة من تقديماتها المادّية للشعب والجيش. وبغضّ النظر عن صوابيّة او عدم صوابيّة كل نظرة من النظرتين، فإن الثابت هو علامة الاستفهام الكبيرة التي ظهرت حول طريقة تعاطي العالم مع السلطات اللبنانيّة وما اذا كان الاعتراف بها، خصوصاً السلطة التنفيذيّة، لا يزال قائماً.