لم تكن بريئة التوصية التي صدرت عن اللجنة البرلمانية الفرنسية والداعية الى تدخل دولي في ​لبنان​ (وغيره من الدول)، فهي اتت بعد فترة قصيرة على لقاء وزيري خارجية ​فرنسا​ و​اميركا​ في ​باريس​، وفي اعقاب التحرك الغريب لكل من السفيرتين الفرنسية والاميركية لدى لبنان في المملكة العربية السعودية. طلاسم هذا التحرك بدأت تتفكك شيئاً فشيئاً، وفق قراءة لمصادر متابعة توقفت عند 3 نقاط مهمة اعتبرتها مفتاح تفسير هذه التحركات:

1-المساعدات التي يتم تأمينها للجيش اللبناني لفترة تمتد الى سنة. هذا الامر يدقع الى التفكير بأنه على الرغم من عدم استغراب تقديم المساعدات الى الجيش، كونها امر روتيني، الا انها تأتي هذه المرة بطريقة اخرى، قوامها مساعدات غذائية وعينية بعد ان كانت تقتصر على الذخيرة والآليات والاجهزة العسكرية، ما يعني ان مقومات صمود العسكريين في الحياة اليومية باتت في خطر، ويجب الحفاظ عليها. من هنا، ان ​الاعلان​ عن تحرك لتقديم المساعدة للجيش من ​مواد غذائية​ وطبية تمتدلسنة، انما يصب في هذه الخانة، وتمهيد للقول ان الازمة مرشحة للبقاء على حالها لفترة اطول من المتوقع، او قد تشهد تأزماً اضافياً يزيد من تعقيد الامور. هذه النقطة لا يجب الاستخفاف بها، كونها محورية لكل التحركات والتطورات التي ستحصل على الصعيد السياسي والدبلوماسي.

2- لا بد من التشديد على ان الخارج ليس في وارد الدخول في الرمال المتحركة اللبنانية من الناحية العسكرية، فكل الدول تتفق على ان الغرق في مستنقعات عسكرية لا يفيد، وقد بدأت اتباع هذه الاستراتيجية، والانسحاب الاميركي من ​افغانستان​ اخيراً خير دليل على ذلك. ومع التسليم بأن التخلي الخارجي عن دول المنطقة هو فقط من باب "التمني" لان المصالح لا تزال هي المتحكمة بقرارات الدول الكبرى، وهذا ما قالته بوضوح اللجنة الفرنسية في بيانها، لجهة الحفاظ على الحضور الفرنسي في المنطقة بشتى السبل بما فيها التواجد العسكري ولو بشكل خجول ومن دون تدخل مباشر، فإنه من المهم الاشارة الى ان التواجد السياسي والدبلوماسي (والاستخباراتي بطبيعة الحال) يبقى الركن الاهم في الاستراتيجيات الدولية، والتي غالباً ما يتم تنفيذها في بلدان تعاني من مشاكل مستعصية، وهو ما ينطبق حالياً على لبنان.

3- تأتي التحركات الدولية في وقت سقطت معه كل الاسقف الموضوعة داخلياً، وبقي فقط السقف الامني الموضوع خارجياً والذي لا يمكن خرقه من الداخل. ومن المعروف ان المعارضة الداخلية لاي تدخل خارجي، تخف الى حدود الاختفاء عندما يتعلق الامر بقدرات البلد على الصمود وعلى تأمين لقمة العيش لشعبه. وهذا ما تعمل عليه الدول حالياً وبالاخص فرنسا واميركا، بعدم ممانعة روسية وصينية طالما ان الامور ستبقى ضمن حدود المقبول وستوزع حصص النفوذ على نحو يرضي الجميع، من دون الاضطرار الى الدخول في مهاترات ومواجهات سياسية ودبلوماسية لا طائل منها حالياً، ومن شأنها زيادة تعقيد الامور بدلاً من حلها. ولان لبنان بلد عربي، كان من الالزامي فتح القنوات مع ​الدول العربية​ وبالاخص السعودية التي لا يمكن تجاهل حضورها ورمزها الديني في لبنان، لاعادة الحياة الى محركاتها، وهي من المؤكد لن تعترض حين يكون الطلب اميركياً او فرنسياً او من احدى الدول الكبرى.

وبذلك، يبدو ان قطار التدويل قد وضع على السكة، انما بطريقة حرفية عالية، بدل الاعتماد على التدخل العسكري لانقاذ الامور، ما سيلاقي حتماً اعتراض الكثيرين في الداخل، فيما التدخل عبر هذه الطريقة لا يمكن لاحد الوقوف ضده، لانه سيواجه نقمة الشعب الذي سيجد في الحركة الدولية مفتاح الخلاص لابواب المشاكل الموصودة، خصوصاً وان اللاعبين الداخليين يمعنون في اقامة المتاريس والعوائق في وجه بعض.