في الأيام الماضية، عملت بعض الأوساط السياسية في لبنان على تشبيه ما يحصل من حراك دولي، لاسيما السعودي الأميركي الفرنسي، بذلك الذي كان قائماً في العام 2005، بعد اغتيال رئيس الحكومة الراحل ​رفيق الحريري​، على قاعدة أن الأزمة ذاهبة إلى المزيد من التدويل، الذي قد يقود إلى فرض معادلات جديدة في البلاد.

في هذا السياق، قد يكون من المفيد الإشارة إلى نقطة مركزية لا يمكن تجاهلها، بحسب ما تؤكد مصادر متابعة عبر "النشرة"، تكمن بأن أي تحالف دولي، في حال كان هناك قرار واضح بالمواجهة، لا يملك الأدوات المحلية لذلك، على عكس ما كان عليه الوضع في العام 2005، حيث كان هناك تحالف كبير يضم العديد من القوى والشخصيات السياسية.

وتشير هذه المصادر إلى أن هذا التحالف لم يعد موجوداً، من الناحية العملية، حيث الخلافات تعصف بين أركانه الأساسيين، أي تيار "المستقبل" و"​الحزب التقدمي الإشتراكي​" وحزب "القوات اللبنانية"، مع العلم أن رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ بات يُصنف على أساس أنه مرشح قوى الثامن من آذار لهذا المنصب، بينما رئيس "الإشتراكي" النائب السابق ​وليد جنبلاط​ هو من أبرز الداعين إلى التسوية.

في المقابل، تلفت المصادر نفسها إلى أن مختلف القوى الإقليمية والدولية لا تجتمع على قرار المواجهة، حيث هناك إنقسام في التوجهات، أو النظرة نحو الملف اللبناني، بين من يرى أن الخيار الأفضل هو ترك البلاد تذهب إلى الفوضى الشاملة، ومن يعتبر أن ذلك لن يقود إلا لزيادة نفوذ "​حزب الله​"، على اعتبار أنه الأكثر قدرة على التكيف مع ما قد يحصل في الشارع.

إنطلاقاً من ذلك، ترى المصادر المتابعة أن المطلوب ليس مواجهة سياسية، كتلك التي كانت قائمة في العام 2005، بل الذهاب إلى شكل جديد من المواجهة، عنوانه الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية، الأمر الذي يتطلب الاستمرار بالضغوط الراهنة لكن بشكل لا يقود إلى الإنفجار الشامل، على أمل أن يتم إستثمار ذلك في ​الإنتخابات النيابية​، حيث الرهان على ما يُسمى القوى التغييرية، أي بعض المجموعات الناشطة على مستوى الحراك الشعبي، خصوصاً تلك الناشطة على الساحة المسيحية تحديداً، لقلب معادلة الأكثرية في المجلس النيابي.

من وجهة نظر هذه المصادر، هذا الرهان قد لا يكون واقعياً، نظراً إلى أن الجانب المقابل، الذي يملك أوراق القوّة، قد لا يبقى في موقع المتفرج، وبالتالي قد يذهب إلى خيارات أخرى، خصوصاً إذا ما أقدم رئيس الحكومة المكلف على رمي ورقة الاعتذار، لا سيما أن التحالف الدولي المذكور ليس وحده المعني بالساحة اللبنانية، بل هناك لاعبين آخرين، أبرزهم ​روسيا​، قد يقررون الدخول على الخط بكامل قوتهم.

ما تقدم، يدفع المصادر نفسها إلى الحديث عن أن ما يحصل هو تجميع أوراق قوة قبل إطلاق مرحلة تفاوض، لا تكون منفصلة عمّا يحصل على مستوى الإقليم من مفاوضات، لكنها لا تنفي أن ذلك قد يؤدي إلى حصول المزيد من الضغوط أو بعض التوترات الأمنية التي لا تخرج عن السيطرة، لا سيما أن الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية تزداد تعقيداً، مع العلم أن هناك من بات يطرح أن الخروج من الأزمة لن يكون إلا بإعادة النظر في كل النظام السياسي القائم برمته.

في المحصلة، دخل الملف اللبناني مرحلة حساسة جداً، نتيجة عودة المعطيات الخارجية لتكون لاعباً أساسياً في المعادلة، لكن المرجح ألاّ تقود إلى مواجهة غير مضبوطة، إلا إذا حصل خطأ في التقدير من قبل بعض الجهات، سواء المحلية أو الخارجية.