لم تنجح كل الضغوط الخارجية الماضية في دفع الأفرقاء المحليين إلى الإتفاق على ​تشكيل الحكومة​ العتيدة، لا بل يمكن الجزم بأن المشاورات والوساطات دخلت في نفق مظلم لا أحد قادر على توقع كيف من الممكن أن تخرج منه، في ظل إستمرار المعلومات عن أن رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ يتجه إلى تقديم إعتذاره.

هذا الواقع يتأكد يوماً بعد آخر، لا سيما بعد عودة السجالات بين فريقي التأليف الأساسيين، أي رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ ورئيس الحكومة المكلف، وكان أبرز تعبير عن الواقع الموقف الذي عبر عنه الأول، في تصريح عبر مواقع التواصل الإجتماعي أمس، عندما دعا من يريد انتقاد رئيس الجمهورية حول صلاحيته في تأليف الحكومة إلى قراءة الفقرة الرابعة من المادة 53 من الدستور جيداً، بينما كانت أوساط الثاني لا تزال على موقفه لناحية تحميل عون ورئيس "التيار الوطني الحر" النائب ​جبران باسيل​ المسؤولية عن التعطيل.

بالتزامن، لا تزال وتيرة التدخلات الدولية في الملف اللبناني ترتفع، خصوصاً مع إعلان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان عن اجتماع أوروبي سيعقد لاتخاذ عقوبات ضد جهات لبنانية قبل نهاية الشهر، متحدثاً عن إجماع أوروبي لفرض العقوبات. الأمر الذي يتناغم مع الرسالة التي نقلها وزير التجارة الفرنسية فرانك ريستر، خلال زيارته إلى بيروت أمس، الذي أكد أن بلاده تحترم إلتزاماتها على عكس السلطة​ اللبنانية.

إنطلاقاً من ذلك، تعتبر مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، أن سيناريو العقوبات الأوروبية بات أمراً واقعاً، خصوصاً أن باريس انتقلت إلى مسار جديد في التعامل مع الأزمة اللبنانية، بعد أن قررت الذهاب إلى إدارة مشتركة للملف مع ​الولايات المتحدة​ والمملكة العربية السعودية، الأمر الذي يوحي بأن هذا الثلاثي ذاهب إلى المزيد من التصعيد في المرحلة المقبلة، إنطلاقاً من معادلة زيادة العقوبات على المسؤولين مقابل البحث عن كيفية تقديم مساعدات للبنانيين من خارج الأطر الرسمية.

من وجهة نظر هذه المصادر، ليس تفصيلاً ما صدر خلال المؤتمر الصحافي المشترك بين رئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​ والسفير السعودي في لبنان وليد البخاري، خصوصاً أن جعجع في كلمته تحدث عن دراسة المقترحات، لمعالجة أزمة التصدير إلى الرياض، اضطرت أن تأخذ بعين الإعتبار غياب الدولة، وبالتالي بناء المقترحات بشكل أساسي على القطاع الخاص، الأمر الذي يتماهى، بشكل أو بآخر، مع معادلة عدم التعامل مع السلطات الرسمية القائمة على المستوى الدولي.

بالنسبة إلى المصادر نفسها، هناك نقطة جوهرية ينبغي التوقف عندها في ملف العقوبات، تكمن بأن الموعد الذي حدد، على الرغم من الحديث عنها منذ أشهر، مرتبط بالذكرى السنوية لإنفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب الماضي، في مؤشر إلى أن هناك رغبة في استغلال هذه الفاجعة، بما تعنيه على المستوى الشعبي، في ظل الخلافات القائمة حول مسألة رفع الحصانات عن بعض المسؤولين السياسيين والأمنيين.

بناء على ما تقدم، تطرح المصادر السياسية المتابعة الكثير من علامات الإستفهام حول ما إذا كان المطلوب من رفع ورقة العقوبات تحريك الملف الحكومي، أي دفع الأفرقاء المعنيين إلى تقديم تنازلات تقود إلى ولادة الحكومة، أو زيادة التعقيدات المرتبطة بهذا الملف، نظراً إلى أن هذه السياسة، التي كانت معتمدة من قبل الإدارة الأميركية في الماضي، كانت سببا إضافيا في زيادة التعقيدات.

وتشير هذه المصادر إلى أن المسألة من المفترض أن تتضح، في الأيام المقبلة، من خلال المسار الذي قد يذهب إليه رئيس الحكومة المكلف، نظراً إلى أن هذا الواقع المستجد قد يدفعه إلى تعجيل تقديم ورقة الإعتذار عن التأليف، بعد أن كانت معظم القوى السياسية المحلية غير مقتنعة بجدية تهديد الأوروبيين بالذهاب إلى فرض عقوبات عليهم.

في المحصلة، لدى المصادر نفسها قناعة أن العقوبات الأوروبية لن تقود إلى تحريك الملف الحكومي بالإتجاه الصحيح، إلا إذا حصلت معجزة دفعت الأفرقاء المعنيين إلى تقديم تنازلات، لكنها قد تكون عنصراً جديداً في المسار الذي يتعزز، لناحية فرض الإلتزام بموعد ​الإنتخابات النيابية​ المقررة في العام المقبل، على وقع زيادة الضغوط التي تدفع إلى إحداث تغيير في المعادلات القائمة محلياً.