إزداد الحديث في المرحلة الأخيرة عن إتجاه مُتزايد ومُتسارع لتحوّل ​لبنان​ أكثر فأكثر إلى "دولة فاشلة"، وسط أحاديث عن إحتمال أن يُؤدّي هذا الأمر-في حال إكتمال خصائصه، إلى تدخّل دَولي في لبنان، وربما حتى إلى اللجُوء إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المُتحدة الذي يُمكن أن يصل في نهاية المطاف إلى مرحلة التدخّل العسكري المُباشر. فهل هذا الأمر مُمكن أن يحصل في لبنان؟.

بداية، لا بُدّ من التوضيح أنّه تدخل في تعريف "الدولة الفاشلة"، أيّ دولة لا تُسيطر على أراضيها بالشكل اللازم ولا تستطيع الدفاع عن حدودها البريّة والبحريّة والجويّة، أو تُديرها حُكومة مركزيّة ضعيفة أو غير فعّالة أو ربما غير شرعية، أو يسودها الإنقسام المُجتمعي الحاد عرقيًا أو طائفيًا، إلخ. وكذلك أيّ دولة تفشل في تطبيق القرارات العامة على أراضيها، وتعجز عن توفير الحدّ الأدنى المقبول من الخدمات العامة-على إختلاف أنواعها، لشعبها. ومن ضُمن تعريف "الدولة الفاشلة" أيضًا، أي دولة يتفشّى ​الفساد​ في مؤسّساتها وأجهزتها، ويعجز القضاء فيها عن مُحاكمة المُذنبين، وتفشل في التفاعل مع دول الأسرة الدَوليّة، إلخ. وبالتالي، لبنان ليس بعيدًا حاليًا عن تصنيف "الدولة الفاشلة"، وإن كان لم يبلغها بعد على مُختلف المُستويات، الأمر الذي يجعل التلويح بهذا التصنيف ضدّ لبنان من قبل بعض الأطراف، غير واقعي ويدخل ضُمن الحرب المَعنويّة والنفسيّة التي تُستخدم بين الدول، وذلك لمصالح سياسيّة ولغايات إستراتجيّة أو تكتيّة.

بالنسبة إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المُتحدة، فهو ينصّ على إتخاذ سلسلة من الإجراءات والضُغوط لإجبار أي بلد، والسُلطة الحاكمة فيه، إلى الإلتزام بالأهداف التي حدّدها ​مجلس الأمن​ في ما خصّ مواضيع ومسائل مُحدّدة. وفي حال عدم نجاح العُقوبات الإقتصاديّة والتجاريّة وغيرها من أنواع الضُغوط في تحقيق الأهداف المَنشودة، يُصبح خيار اللجوء إلى القُوّة مَطروحًا تحت البند 42 من الفصل السابع(1)، خاصة في حال تهديد السلام أو فسخ مُعاهدة سلام أو شن حرب أو تنفيذ إبادة جَماعية، إلخ.

وممّا تقدّم من الواضح أنّ التعاطي الدَولي مع لبنان يعتمد حاليًا جزءًا من الوسائل التي تُستخدم ضُدّ الدول المُصنّفة "مارقة" و"فاشلة" وغيرها من التعابير القاسية، ولا سيّما مسألة العُقوبات والضُغوط. وهذا المنحى مُرشّح للتصاعد أكثر في المرحلة المُقبلة، بداية لدفع لبنان إلى حسم الملفّ الحُكومي، ومن ثم في المستقبل القريب، لإلزام لبنان على تنظيم إنتخابات نيابيّة جديدة في موعدها.

لكنّ هذا الواقع لا يعني على الإطلاق الإتجاه إلى تطبيق أيّ إجراءات عسكريّة أو أمنيّة ضُدّ لبنان، فهذا الموضوع غير مَطروح من قبل مجلس الأمن الدَولي، ولا حتى من قبل دول رئيسة وأساسيّة فيه. والتلويح به يدخل في سياق التهويل، لغايات ولأهداف سياسيّة لا أكثر. ومن الواضح أنّ المُجتمع الدَولي الذي يرفع حاليًا عشرات المآخذ على الدولة اللبنانيّة وعلى السُلطة فيها، لا يزال يُعطي أهميّة كبرى للقوى الأمنيّة الرسميّة في لبنان، وفي طليعتها ​الجيش اللبناني​. والمُجتمع الدَولي حريص على الإبقاء على دعمه للقوى الأمنيّة الرسميّة، وعلى تعزيزه أيضًا، كبديل عن أيّ تدخّل عسكري في المُستقبل، خاصة وأنّ تجارب التدخّل الأممي الأمني في لبنان إنتهت بشكل كارثي في ثمانينات القرن الماضي، عندما جرى إستهداف مقرّات للقوّات الأميركيّة والفرنسيّة بمركبات مُفخّخة(2)، الأمر الذي أسفر عن سُقوط مئات القتلى والجرحى، وأدّى إلى خروج القوّات الدًوليّة من لبنان. وبالأمس القريب، جرى التباحث أكثر من مرّة، بشأن إمكان توسيع مهمّات القوات الدَوليّة العاملة في ​الجنوب​ اللبناني تحت غطاء ​الأمم المتحدة​، لضبط الحُدود البريّة للبنان مع ​سوريا​، ولتنفيذ مهمّات أمنيّة أخرى في العُمق اللبناني، إلا أنّه جرى غضّ النظر عن هذه الإقتراحات، بعد دراسة نسبة الخطر الأمني المُرتفعة جدًا على حياة قوّات "القبعات الزرقاء"، في حال تنفيذ أيّ مهمّة إضافيّة خارج مهمّتها الحاليّة والمُتوافق عليها في الجنوب.

في الختام، صحيح أنّ لبنان يتّجه بخطى سريعة ليُصبح في مصافي الدول الفاشلة، مع ما سيجلبه هذا الأمر من كوارث إضافيّة ومن المزيد من المآسي على ​الشعب اللبناني​، لكنّ الأصحّ أنّ لا تدخل دَوليًا عسكريًا في لبنان لقلب الطاولة، بل إستمرار لسياسة الضُغوط والعُقوبات التي لم تُسفر عن أيّ حلّ حتى تاريخه، لبلّ زادت الأمور سوءًا!.