تنادي الدولة بالتحول الى اقتصاد منتج وحاكم مصرف لبنان يدعو الصناعيين التحضير لرفع الدعم الكلي في بلد العجائب والتناقضات!.

نعم نسمع كثيرا عن ضرورة الانتقال بلبنان من الاقتصاد الريعي الى الاقتصاد المنتج؛ لا بل لا تكاد تخلو اي خطة انقاذية اصلاحية من هذا البند، الذي يتم التشديد عليه على انه الهدف النهائي للدولة اللبنانية؛ هذه العبارة يؤيدها الجميع وكل الاطراف السياسية، لا شك انها أكثر من ضرورية للنهوض بالاقتصاد اللبناني،خصوصا ان الاستثمار بالقطاعات المنتجة تعتبر مجدية لأنها تخلق العديد من فرص العمل. "كل وظيفة في القطاع الصناعي تخلق 2.2 وظيفة في القطاعات الاخرى" و"يعتاش من الصناعة 195 الف عائلة" بحسب شركة ماكنزي. وتأتي الصناعة بالدولارات "الطازجة" الى البلد من خلال التصدير،كما تؤمن قسما من حاجات الاستهلاك المحلي بدل من ان نستوردها، لكن السؤال كيف نركّز دعائم اقتصاد منتج مع ارتفاع سعر صرف الدولار الى هذه المستويات؟كيف تعمل الصناعة مثلا في ظل شحّ المازوت وارتفاع سعره، وهو من أساسيات عملها؟ وفي بعض الصناعات الهامة التي تلعب دورا في الحلقة الانتاجية تصل كلفة المحروقات الى35% من سعر السلعة فيما هي عادة 6% من سعر بيع السلع ؟كيف ندعم الصناعة حين يدعو حاكم مصرف لبنان الصناعيين للاستعداد للمرحلة المقبلة اي مرحلة الغاء الدعم كليا؟وماذا فعلت الدولة حتى اليوم لتشجيع الصناعة ودعم الصناعيين، بعد كل ما عانته الصناعة اللبنانية الى جانب باقي القطاعات التي تقاوم للبقاء بسبب ما عانته بعد الاقفال جرّاء تداعيات جائحة كورونا والتحديات الناجمة عن الازمة الاقتصادية والمالية؟!.

الصناعيون يدركون تماما انه سيأتي يوم يتوقف فيه الدعم تماما لأنه تدبير اثبت عدم جدواه بسبب التهريب واستفادة التجار والاغنياء اكثر بكثير من الفقراء، لكنهم اليوم بحاجة الى خطة اقتصادية اجتماعية اصلاحية كاملة ليس لحلول مرحلية وبالتجزئة:أما اذا سألنا ما هو حجم الدعم الذي يحصلون عليه عمليا؟! توضح مصادر مطّلعة الى انه بعد عناد ومثابرة وبإلحاح من وزارة الصناعة، أقر مصرف لبنان مشروع المئة مليون دولار لدعم للمواد الاوليّة، يومها اطلقت جمعية الصناعيين الصرخة في كانون الثاني 2020 وجاء الدعم في تموز، اي بعد ستة اشهر،وقتذاك قدر حجم القطاع الصناعي بـ13 مليار دولار، اي ان القطاع يحتاج الى مواد اولية بـ3 مليار دولار،فجاء هذا الحل المرحلي الذي يغطي 12 يوم عمل فقط، وقد صرف من المئة مليون حوالي 50 في وقت أنّ الباقي حصل على موافقات مسبقة لكن التحويل للمورّدين لم يتم بعد. والبضائع لم تزل في المرفأ حيث يترتب عليها أكلاف التخزين. وتتابع المصادر ان البرنامج الثاني الذي استهدف الصناعة في بعض المواد هو من خلال السلّة الغذائية حيث تدخل ضمنها بعض المواد الاوليّة التي تستعمل في الصناعة وهو مبلغ صغير.

الا ان الحل الحقيقي الذي اقتنع بهحاكم مصرف لبنان رياض سلامة على اساس ان الصناعة لديها ميزة هامة، انها اذا استوردت موادَّ اولية بـ3 مليار تدخل بالمقابل 3 ملياردولار الى البلد من خلال التصدير، وتنتج بقيمة 10 مليار بضاعة نهائيّة تغذي بها الاقتصاد.لكن بما ان الصناعات التي تُصدر وتُستورد ليست هي نفسها،من هنا كانت الحاجة الى المقاصّة، فولد مشروع سيدر الاوكسجين لتمويل القطاع الصناعي بمساعدة مؤسّسات داعمة للبنانواسهامات اللبنانيين الناجحين في الخارج، حيث وضع مصرف لبنان المبلغ الاساسي؛ وظيفة هذا الصندوق ان يؤمن تمويل المواد الاولية على المدى الطويل. صحيح انه تأخر لأسباب ادارية، وايضا بسبب تعثر لبنان عن دفع استحقاقات اليوروبدز مما جعل بعض الجهات تتريث ولم يقلع بـ750 مليوندولار لكنه مشروع يعول عليه الصناعيون.

وبالعودة الى دعوة حاكم مصرف لبنان الصناعيين للتحضير لمرحلة رفع الدعم بشكل نهائي في اولردّفعل، ناشد رئيس جمعية الصناعيينعبر "النشرة" لضرورة دعم الطاقةبـ50 مليون دولار، ويجب السير به مشددا على ضرورة ايجاد حلّ متكامليُبنى على الثقة،لافتا الى ان الجمعية أطلقت منذ العام 2015 رؤية اقتصادية اجتماعية متكاملة للحل. وتابع ان "الصناعيين حاضرونلنتعايش مع الصعوبات ونتأقلم بسرعة، هناك مشروع سيدر اوكسجين لدعم المواد الاوليّة من الخارج، يبقى ان تدعم الدولة المحروقات،واذا دعمت الصناعة بـ50 مليون دولار شهريا ندخل 200 مليون من خلال التصدير و3 مليار دولار سنويا، هذه هي المعادلة الرابحة التي يجب ان تؤخذ بالاعتبار".