فعلها الرئيس سعد الحريري واعتذر عن تشكيل الحكومة بعد مرور أكثر من 8 أشهر على التكليف، ضاعت في متاهات المصالح المتضاربة.. فما هي معالم المرحلة المقبلة؟ وماذا سمع الفرنسيون من «حزب الله»؟

لم تنفع كل المداخلات الخارجية التي ارتفع منسوبها أخيراً في منع «القدر المحتوم»، وبَدا انّ كل العالم لن يستطيع هذه المرة ردم الهوة السحيقة بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، وإعادة بناء ثقة كانت مفقودة منذ ما قبل التكليف.

ad

والتحدي الأصعب الذي يواجه الجميع الآن يكمن في نمط التعامل مع تداعيات الاعتذار، سواء من حيث انعكاساته المحتملة على الأرض والدولار او من حيث السيناريو السياسي واختيار البديل الذي لن يكون سهلاً التوافق عليه، خصوصاً انّ دار الفتوى ونادي رؤساء الحكومات السابقين لن يمنحا الغطاء لتكليف اي شخصية سنية بعد «الافتراق الدرامي» بين عون والحريري، إضافة إلى انّ تيار المستقبل سيذهب بعيداً هذه المرة في معارضة العهد بعدما تحرّر من اي رابط مع عون. وبالتالي، لن يكون سهلاً لأيّ اسم سنّي أن يغامر بقبول تولّي رئاسة الحكومة وسط عزلة شبه تامة في بيئته.

وكان الموفد الفرنسي باتريك دوريل قد استطلع خلال زيارته الأخيرة الى بيروت احتمالات ما بعد اعتذار الحريري وتداعياته على المبادرة الفرنسية، علماً انّ «كبرياء» قصر الاليزيه لا يزال يرفض التسليم بالعجز والفشل في لبنان. وبالتالي، فإنّ باريس مستمرة في محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من دورها ومصالحها في هذه البقعة المعقدة على ساحل المتوسط.

لم يملّ الرئيس ماكرون بعد من إرسال الموفدين الى بيروت، الواحد تلو الآخر، ولم يتعب من التلويح بالجزرة تارة وبالعصا طوراً، فيما سفيرته تتنقّل بين المقرات لإيصال الرسائل بلغة دبلوماسية حيناً وبلغة حادة حيناً آخر كما فعلت حين تَصدّت للرئيس حسان دياب في السرايا ردّاً على شكواه من وجود حصار خارجي على لبنان يتسبّب في تفاقم الازمة.

ad

وكان دوريل قد التقى عشيّة اعتذار الحريري عدداً من الشخصيات اللبنانية، مُكرراً نصائح الاليزيه بضرورة التعجيل في تشكيل حكومة مهمة تتولى تنفيذ الاصلاحات، بينما كانت قد سبقته الى بيروت أصداء تحضيرات الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على بعض السياسيين اللبنانيين.

وعلى وقع الاستنتاجات القائلة إنّ «حزب الله» متحسّس من تزخيم الحراك الأميركي - الفرنسي - السعودي حيال لبنان، زار دوريل رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد في الضاحية الجنوبية وعقد معه «لقاء ودياً» وفق توصيف الحزب.

ماذا دار خلال هذا اللقاء الذي يعكس حرص الجانبين على إبقاء الجسور ممدودة بينهما، وإن اهتزّت في بعض الأوقات، تحت تأثير التقلبات في المناخ السياسي؟

كان دوريل صريحاً في التحذير من أنه لا يجوز أن يستمر لبنان بلا حكومة وسط هذه الظروف الحرجة والصعبة التي يجتازها، متسائلاً بما معناه: لوين رايحين؟ وأكد أهمية التعاون لإنقاذ البلد وتشكيل حكومة جديدة، موضحاً انّ الرئيس ماكرون مهتم شخصياً بمتابعة الوضع اللبناني.

ad

وبَدا دوريل مهتمّاً بما يمكن أن يفعله «حزب الله» عند اعتذار الحريري، سائلاً مضيفه: كيف ستتصرفون في مثل هذه الحالة؟ وأمل في أن يضغط الحزب اكثر في اتجاه التعجيل بحلّ يكون لمصلحة البلد.

وهنا، شرح رعد للموفد الفرنسي انّ «حزب الله» أدى ما يتوجّب عليه وفعل كل ما في وسعه للوصول إلى حل، «لكنّ القوى المعنية لديها حساباتها، ومهما كانت المَونة على تلك القوى او الصداقة معها، تظل الاولوية بالنسبة إليها هي لحساباتها السياسية المقفلة».

وأضاف رعد مُخاطباً دوريل: أنتم أيضاً حاولتم ان تجمعوا في باريس الرئيس سعد الحريري ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، الّا انكم لم تفلحوا في ذلك، وبالتالي ليس كل شيء يمكن أن يحصل بالمَونة.

ولفت رعد انتباه ضيفه الى «انّ طبيعة نظامنا السياسي تفرض ان تكون لرئيس الحكومة حيثية تمثيلية في طائفته، وهذا ما يفسّر لماذا أصرّ الرئيس بري على التمسّك بالرئيس الحريري، ونحن دعمنا هذا الطرح، كما نؤكد ضرورة التعاون مع الحريري، اذا اعتذر، للتفاهم على اسم يحظى بتأييده وتأييد بيئته، إنطلاقاً من المعادلة إيّاها».

ad

ووفق العارفين، المهم بالنسبة إلى الحزب هو أن يتفادى أيّ سيناريو مقبل حصول إحباط سنّي، وبالتالي ان تكون الشخصية البديلة عن الحريري محط ارتياح الطائفة السنية الى جانب كونها مقبولة من الحزب وحلفائه.

وأبعد من حدود الاجتماع بين رعد ودوريل، يلفت المطلعون على موقف «حزب الله» إلى أنه ليس قلقاً من زيادة وتيرة التحرك الدولي المتصل بالملف اللبناني. وينقل هؤلاء عن قيادي في الحزب قوله: عندما كانت البوارج العسكرية الاجنبية تنتشر على طول الشاطئ اللبناني «ما فِرقِت معنا»، فهل سنقلق الآن من نشاط بعض السفراء؟

ويعتبر القريبون من الحزب انّ نشاط السفراء والموفدين يتخذ شكل «الهيئة العليا للإغاثة الدولية» اكثر من اي أمر آخر، مشيرين الى انّ زيارة السفيرتين الفرنسية والاميركية الى السعودية كانت تصبّ بالدرجة الأولى في خانة تبيان ما اذا كانت الرياض مستعدة لدفع مال من جيبها لتغطية بعض المساعدات التي يمكن أن يحصل عليها لبنان.