خلط الرئيس سعد الحريري الاوراق الحكومية مجدداً مع إعلانه اعتذاره رسمياً رغم انه لم يكن مفاجئاً وكل القوى كانت في جو الاعتذار وبالتالي التوقف عن متابعة المشوار وبعد 9 اشهر من الكباش المستمر مع السعودية من جهة.

وبين الرئيس ميشال عون ورئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل من جهة ثانية، ليصل الى قناعة منذ حوالي الاسبوعين، ان لا امكانية لمواصلة مشواره الحكومي ولتكون الاستقالة داخلية وخارجية مع تغليب العامل الخارجي اكثر هذه المرة، وفق ما تؤكد اوساط بارزة في 8 آذار.

وتشير الاوساط الى ان كل المؤشرات ومنذ حوالي الشهر والنصف كانت توحي بوصول الحريري الى آخر مشواره الحكومي، ولكن "الجرعة القوية" التي تلقاها الحريري وقتها من رئيس مجلس النواب نبيه بري ومن ورائه حزب الله وكذلك دار الفتوى والمجلس الشرعي الاعلى، كانت كفيلة بتأجيل اعلان الاعتذار، في انتظار جولة مشاورات داخلية وخارجية ودخول الامارات ومصر بقوة على خط تأمين الغطاء السني للحكومة والمتمثل بدعم السعودية وهذا من شانه ان يعيد المساعدات الى لبنان وان يوقف الحصار الخليجي على الاقل!

وتشير الاوساط الى ان هناك عتباً شديداً من فريقنا على الحريري لجهة تصرفه القاسي امس الاول وارتكابه خطأ مميتاً ومن شانه ان يستفز الرئيس عون، وان يمنحه في سابقة دستورية في تاريخ لبنان مهلة لقبول التشكيلة اي 24 ساعة لقبولها او ردها .

وتقول ان كل من تسنى له الاطلاع على التشكيلة التي قدمها الحريري لعون امس الاول ولا سيما القوى الفاعلة، والتي تشارك في تأليف الحكومة وتغطي الحريري سياسياً، ولا سيما الرئيس بري و حزب الله تفاجأوا بالاسماء الشيعية الخمسة المطروحة.

ولم يتم التشاور فيها مع "الثنائي الشيعي" كما فعل الحريري ايضاً منذ ما يقارب الـ240 يوماً عندما قدم اول تشكيلة من 18 وزيراً. ووقتها الاسماء الشيعية الاربعة التي وضعها الحريري لم يشاور فيها "الثنائي". ورفضها تلقائياً لكون من سماهم الحريري اقرب اليه ومن المحسوبين عليه ولا يمتوا الى "الثنائي" بأي صلة.

كما تقول الاوساط ان توزيع الحقائب على القوى السياسية جاء مختلفاً عن اخر لقاءات الحريري وعون وكذلك التوزيع الطائفي للحقائب ولا سيما الداخلية.

وهاتان النقطتان: مهلة الحريري لعون، وطبيعة التشكيلة كفيلتان لوحدهما بتعقيد التأليف وتالياً تطييره.

وتخلص الى انه لم يكن من المؤمل وفق المعطيات الداخلية والخارجية، ان تسفر هذه التشكيلة عن حكومة.

وتشير الى ان وفي ميزان الربح والخسارة وبعد خسارة البلد لـ9 اشهر ودخوله في مزيد من السجالات والتناحر السياسي وخسارته للعديد من الفرص لوقف الانهيار الاقتصادي والمالي، خسر الحريري الكثير من رصيده الشعبي والسياسي والسني بفشله في تأليف الحكومة وصولاته وجولاته الخارجية وقضائه اكثر من ثلثي مدة تكليفه في الخارج وبين دولة واخرى ولم يستطع ان يحشد الدعم الدولي والاوروبي والخليجي لنجاحه في التأليف.

وقد يكون استفاد معنوياً ولشد العصب قبل عام من الانتخابات، وانه لم يرضخ لعون وباسيل ولم ينفذ طلباتهما وشروطهما الحكومية.

وايضاً من جهة عون فظهر معنوياً، انه ربح سياسياً عبر عدم الاذعان للحريري ومحاولته "الاستيلاء" على صلاحياته ومنعه من ممارسة دوره في الشراكة في التأليف.

اما ضمنيا وبعد الخسارة الشعبية، وخسارة البلد فرصة للانقاذ عبر تشكيل الحكومة خسر عون المزيد من فرص انقاذ العهد في سنته الاخيرة، كما سرّع من فرص الانقضاض عليه من مختلف الاتجاهات عبر العداء لمعظم القوى السياسية ولا سيما الحريري.

اما الحريري فإنه فقد فرصة مهمة لعودته الى السراي بمبادرة فرنسية، فشلت هي الاخرى في تجاوز الفيتو الاميركي والسعودي على حكومة وازنة قد تنقذ العهد وتخفف من وطأة حصار لبنان وحزب الله.

وعن مرحلة ما بعد الحريري، تقول الاوساط ان عون يتجه الى التريث في الدعوة للاستشارات النيابية الملزمة في بعبدا الى ما بعد بعد عطلة الاضحى وسيقوم بمشاورات مع القوى المختلفة لايجاد بديل للحريري.

وتكشف الاوساط ان بعض الافكار المتداولة في الاروقة السياسية الضيقة والتي ترى في الحريري الشخصية السنية الاكثر تمثيلاً في لبنان وله اكبر كتلة سنية نيابية ولا يمكن تجاوزه او تخطيه لتكليف شخصية بديلة له، فلا يمكن لاي سني من دون موافقة الحريري وتزكيته ومن دون موافق دار الفتوى والمجلس الشرعي والرؤساء السابقين للحكومة ان يتم تكليفه وبالتالي نعود الى تجربة حسان دياب غير المشجعة.

لذلك ينطلق اصحاب هذه النظرية من ان الحريري الاقوى في طائفته، والاكثر تمثيلاً فما المانع من اعادة تكليفه وفق شروط داخلية وخارجية جديدة؟

ولا سيما بعد توقيع الاتفاق النووي الايراني والذي بات منجزاً وفي انتظار توقيع الرئيس الايراني الجديد ابراهيم رئيسي على الاتفاق.

وكذلك استمرار اللقاءات السعودية والايرانية في عمان والعراق، وهذا ما سيوفر غطاءاً دولياً واقليمياً لاعادة تكليف الحريري، طالما ان وجوده حاجة شيعية وسنية وايضاً مسيحية في نهاية العهد وضرورة التحضير للانتخابات النيابية والرئاسية في جو من الضبط الامني والاقتصادي والمالي في الحد الادنى ومنع الانهيار الكامل والشامل والسريع.